الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر طرف من مناقبه وأحواله #:

صفحة 276 - الجزء 1

  كهل طوال مصفر مستور الوجه، قد أثر السجود في جبهته، عليه جبة صوف يستقي الماء على جمل، وقد انصرف يسوق الجمل، لا يضع قدما ولا يرفعها إلا ذكر الله ø ودموعه تنحدر، فقم فسلم عليه وعانقه، فإنه سيذعر منك، فعرّفه بنفسك، وانتسب له، فإنه يسكن إليك ويحدثك طويلا، ويسألك عنا جميعا، ويخبرك بشأنه ولا تضجر من جلوسك معه، فلا تطل، ودعه فإنه سوف يستعفيك من العودة إليه، فافعل ما يأمرك به من ذلك، فإنك إن عدت إليه توارى منك واستوحش وانتقل من موضعه، وعليه في ذلك مشقة. فقلت له: أفعل كلما أمرتني به، ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت، ولما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر، فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذا أنا به يسوق الجمل، وهو كما وصف لي أبي، لا يرفع قدما ولا يضعها إلا وحرّك شفتيه بذكر الله⁣(⁣١)، ودموعه ترقرق من عينيه، وتذرف أحيانا، فقمت فعانقته، فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس، فقلت:

  يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد بن أخيك، فضمني إليه وبكى حتى قلت: قد جاءت نفسه، فأناخ جمله وجلس معي، وجعل يسألني عن أهله رجلا رجلا، وامرأة امرأة، وصبيا صبيا، وأنا أشرح له أخبارهم وهو يبكي، ثم قال: يا بني أنا أستقي على هذا الجمل الماء، فأصرف مما اكتسبته أجرة الجمل إلى صاحبه، وأتقوت بباقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء، فأخرج إلى البريّة - يعني بظهر الكوفة - فألقط ما يرمي الناس به من البقول وأتقوته، وقد تزوجت إلى هذا الرجل ابنته، فهي لا تعلم من أنا إلى وقتي هذا، فولدت مني بنتا، فنشأت وبلغت وهي أيضا لا تعرفني ولا تدري من أنا، فقالت لي أمها: زوج ابنتك بابن فلان السقاء لرجل من جيراننا يستقي الماء فإنه أيسر منها وقد خطبها، وألحت عليّ، فلم أقدر على إخبارها أن ذلك غير جائز، ولا هو بكفء لها فيشيع


(١) في (أ): إلا ذاكر الله.