الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر بيعته ومدة ظهوره #

صفحة 283 - الجزء 1

  وق بنفسك نفسي حتى أخرج فإني قد أمرت بذلك، فنام على فراشه ووقاه بنفسه باذلا لمهجته، واثقا بأن الله تعالى غير خاذله، ومن يدعي الفضل له عليه: إما راصد لرسول الله ÷ أو معين عليه، أو جالس عنه همّهم في ذبائح الغنم على الأصنام، والاستقسام بالأزلام، وأقلام الملائكة $ تصعد بعمل رسول الله ÷، فلما استقرت به الدار، وحل في الأنصار، أمره الله جل ثناؤه أن يشهر سيف التوحيد، وضمن له التأييد، فجاءت حال المنابذة، وتدانت الزحوف، أيده الله جل ثناؤه بعلي بن أبي طالب #، فقام إليهم وله خطرات بسيفه ذي الفقار، فسألوه عن النسبة، فانتهى إلى محل اليفاع⁣(⁣١) الذي لا لأحد عنهم مرغب، وأوجل الله قلوبهم من مخافته حتى اجتنبوا ناحيته، فما زالت تلك الشاهد مع رسول الله ÷ حتى سمته رجال قريش، وحتى تشاغلت نساؤهم بالمآتم، فكم من باكية أو داعية، أو موتور قد احتشى غلته بفقدانه أباه أو أخاه أو عمه أو خاله أو حميمه، يخوض مهاول الغمرات بين أسنة الرماح، لا يثنيه عن نصرة رسول الله ÷ بنوة حداثة، ولا ظنّ بمهجته، حتى استولى على الفضل في الجهاد في سبيل الله، وكان أحب الأعمال إلى الله، وزرع إبليس عدو الله بغضه في قلوبهم، فلاحظوه بالنظر الشزر، وكسروا دونه حواجبهم، وراسوا بالقول فيه، والطعن عليه، فلم يزده الله بقولهم فيه إلا ارتفاعا كما نالوا منه، نزل القرآن بجميل الثناء عليه في آي كثير من كتاب الله، قد غمهم مكانه في المصاحف، ومن قبل ما أثبته الله جل ثناؤه في وحي الزبور: أنه وصي الأوصياء، وأول من فتح بعمله أبواب السماء.

  فلما قبض رسول الله ÷ كان أولاهم بمقامه، ليس لأحد مثله في نصرته لرسول الله ÷، وأخ ليس لهم مثله له جناحان يطير بهما في


(١) معجم البلدان ٥/ ٤٣٩: اليفاع: المشرف من الأرض والجبل، وقيل: هو قطعة منها فيها غلظ، لسان العرب ٨/ ٤١٤.