ذكر بيعته ومدة ظهوره #
  الجنة، وعمّ له سيد الشهداء في جميع الأمم، وابنان هما سيدا شباب أهل الجنة، وله سيدة نساء العالمين، ثم قبض. ولما قبض رسول الله ÷ أخذ أهله في جهازه إلى ربه، واختلفوا فيمن يلي الأمر من بعده، فقالت الأنصار: نحن الذين آوينا ونصرنا، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر وهو بباب رسول الله ÷ ينتظر جهازهم له والصلاة عليه، فقال له: إنك لغافل عما أسست الأنصار وأجمعوا عليه من الصفقة على يد سعد بن عبادة، ثم تناول يده عمر فجذبه فأقامه حتى انتهى إلى سعد، وقد عكفوا عليه وازدحموا حوله، وتكلّم أبو بكر فقال:
  يا معشر الأنصار، أنتم الجيران والإخوان، وقد سمعتم قول رسول الله ÷: «إن هذا الأمر لا يصلح إلا في قريش»(١)، وقد علمت العرب أني أوسطها دارا، وأصبحها وجها، وأبسطها لسانا، وأن العرب لا تستقيم إلا علينا، فقال عمر: هات يدك يا أبا بكر أبايعك، فمدّ يده أبو بكر فضرب عليها بشير بن سعد، ثم ثلث أبو عبيدة بن الجراح، ثم تتابعت الأنصار، فبلغ ذلك عليّا # فشغله المصاب برسول الله ÷، عن القول لهم في ذلك، واغتنموا تشاغله برسول الله ÷، فنظر علي # لدين الله قبل نظره لنفسه فوجد حقه لا ينال إلا بالسيف المشهور، وتذكّر ما هم به من حديث عهد بجاهلية فكره أن يضرب بعضهم ببعض فيكون في ذلك ترك الألفة، فأوصى بها أبو بكر إلى عمر من غير شورى، فقام بها عمر وعمل على الولاية بغير عمل صاحبه، ليس بها عهد من رسول الله ÷، ولا تأول من كتاب الله إلا رأي توخاه هو فيه مفارق لرأي صاحبه، جعلها بين ستة نفر، وضع عليهم أمناء أمرهم إن اختلفوا أن يقتلوا الأقل من الفئتين(٢)، فصغّروا ما عظم الله وصاروا ولاة السوء، سدت عليهم أبواب التوبة، واشتملت عليهم النار بما فيها والله جل ثناؤه بالمرصاد ولا حول ولا قوة
(١) السنن الكبرى للبيهقي ٨/ ١٤٢ - ١٤٣، ومسند ابن حنبل ٦ رقم ١٦٨٥٢، فتح الباري ١٣/ ١١٤، وكنز العمال ٣٣٧٩٩.
(٢) في هامش (ج): فصفروا - بالفاء - وهو من هاهنا للمصنف أمر المصنف أن يروى عنه إلى قوله: ثم انتشرت دعوته.