بيعته # ومدة انتصابه للأمر:
  وذلك ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وأخذ البيعة لأخيه واستولى على البصرة، وقام بالأمر هناك على خلافته حتى ورد عليه نعيه أول يوم من شوال سنة خمس وأربعين ومائة، وهو يريد أن يصلي بالناس صلاة العيد فصلى بهم ثم رقى المنبر واختطب ونعى إلى الناس أخاه محمدا #، ثم أنشأ يقول متمثلا:
  أبا المنازل يا خير الفوارس من ... يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا
  الله يعلم أني لو خشيتهم ... أو أوجس القلب من خوف لهم جزعا
  لم يقتلوه ولم أسلم أخي لهم ... حتى نموت جميعا أو نعيش معا(١)
  وكان من كلامه # على المنبر أن قال: اللهم إن كنت تعلم أن محمدا إنما خرج غضبا لدينك، ونفيا لهذه النكتة السوداء، وإيثارا لحقك، فارحمه واغفر له، واجعل الآخرة خيرا مردا ومنقلبا في الدنيا، ثم جرض بريقه وتردد الكلام في فيه فانتحب باكيا وبكى الناس(٢).
  ولمّا نزل بايعه علماء البصرة وعبادها وزهادها، واختصت المعتزلة به مع الزيدية ولازموا مجلسه، وتولوا أعماله، فاستولى على واسط وأعمالها، والأهواز وكورها، وعلى أعمال فارس، وكان أبو حنيفة يدعو إليه سرا ويكاتبه، وكتب إليه: إذا أظفرك الله بآل عيسى بن موسى وأصحابه فلا تسر فيهم سيرة أبيك في أهل الجمل فإنه لم يقتل المدبر ولم يجهز على الجريح ولم يغنم الأموال، لأن القوم لم تكن لهم فئة، ولكن سر فيهم سيرته يوم صفين، فإنه ذفف على الجريح وقسم الغنيمة، لأن أهل الشام كان لهم فئة. فظفر أبو جعفر بكتابه، فكتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى وهو على الكوفة يأمره بحمل أبي حنيفة إلى بغداد، قال أبو نعيم: وهو راوي هذه القصة فغدوت إليه أريده ولقيته راكبا يريد
(١) الإفادة ٦٢، ومقاتل الطالبين ٣٤٢.
(٢) المقاتل ص ٣٤٢، والإفادة ٦٣.