أولاده #:
  أنّى أتيح له حرباء تنضبه(١) ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا
  فغضب الرشيد من ذلك وقال للمتمثل: أتؤيده وتنصره؟ قال: لا والله، ولكني شبهته في مناظرته واحتجاجه بقول هذا الشاعر، ثم أقبل عليه قال:
  دعني من هذا يا يحيى، أيّنا أحسن وجها أنا أو أنت؟ قال: بل أنت يا أمير المؤمنين إنك لأنصع لونا وأحسن وجها، قال: فأينا أسخى أنا أو أنت؟ قال: وما هذا يا أمير المؤمنين مما تسألني عنه؟ أنت تجبى لك خزائن الأرض وكنوزها، وأنا أمحل معاشي من سنة إلى سنة. فأينا أقرب من رسول الله ÷؟ قال: قد أجبتك عن خصلتين فاعفني من هذه، قال: لا والله، قال: بلى فاعفني، فحلف بالطلاق والعتاق أن لا يعفيه. فقال: يا أمير المؤمنين، لو عاش رسول الله ÷ فخطب إليك ابنتك أكنت تزوجه؟ قال: أي والله، قال: فلو عاش فخطب إليّ أكان يحل لي أن أزوجه؟ قال: لا، قال: فهذا جواب ما سألت. فغضب الرشيد وقام من مجلسه، وخرج الفضل بن الربيع وهو يقول: والله لوددت أني فديت هذا المجلس بشطر ما أملكه، قالوا: ثم رده إلى محبسه في يومه ذلك(٢).
  ثم دعا به وجمع بينه وبين عبد الله بن مصعب الزبيري، ليناظره فيما رفع إليه فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد، وقال: نعم يا أمير المؤمنين إن هذا دعاني إلى بيعته، فقال له يحيى # يا أمير المؤمنين: أتصدق هذا علي وتستنصحه وهو ابن عبد الله بن الزبير الذي أدخل أباك وولده الشعب وأضرم عليهم بالنار حتى تخلّصه أبو عبد الله الجدلي صاحب علي بن أبي طالب منه، وهو الذي بقي أربعين جمعة لا يصلي على النبي ÷ في خطبته حتى التاث عليه الناس، فقال: إن له أهل بيت سوء، إذا ذكرته اشرأبت نفوسهم إليه وفرحوا بذلك، فلا أحب أن أقرّ
(١) في اللسان: «قال أبو عبيد» ومن الأشجار التنضب، واحدتها تنضبه، شجرة ضخمة تقطع منها العمد».
(٢) مقاتل الطالبين ٤٧٣، والمصابيح ٤٩٥، وابن أبي الحديد ٤/ ٣٥٢.