الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

أولاده #:

صفحة 363 - الجزء 1

  فثنى نصر عن رأيه وفتّر نيته وعاد على محمد بن إبراهيم معتذرا بما كان من خلاف الناس عليه ورغبتهم عن أهل هذا البيت، وأنه لو ظن ذلك بهم لم يعده نصرهم، وأومى له إلى أن يحمل إليه مالا ويقويه بخمسة آلاف دينار فانصرف محمد عنه مغضبا وأنشأ يقول والشعر له:

  سنغنى بحمد الله عنك بعصبة ... يهشون للداعي إلى واضح الحق

  طلبنا⁣(⁣١) لك الحسنى فقصّرت دونها ... فأصبحت مذموما وفاز ذوو الصدق

  جروا فلهم سبق وصرت مقصرا ... ذميما بما قصرت عن غاية السبق

  وما كل شيء سابق أو مقصر ... يؤل به التقصير إلا إلى العرق

  ثم مضى محمد بن إبراهيم # راجعا إلى الحجاز فلقي في طريقه أبا السرايا السّريّ بن منصور أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان⁣(⁣٢)، وكان قد خالف السلطان ونابذه وعاث في نواحي السواد، ثم صار إلى تلك الناحية فأقام بها خوفا على نفسه ومعه غلمان له فيهم أبو الشوك ويسار وأبو الهرماس غلمانه، وكان علوي الرأي ذا مذهب في التشيع، فدعاه إلى نفسه فأجابه وسرّ بذلك، وقال له:

  انحدر في الفرات حتى أوافي على الظهر وموعدك الكوفة ففعل ذلك.

  ووافى محمد بن إبراهيم الكوفة يسأل عن أخبار الناس ويتجسسها ويتأهب لأمره ويدعو من يثق به إلى ما يريده حتى اجتمع له بشر كثير، وهم في ذلك ينتظرون أبا السرايا وموافاته، فبينا هو في بعض الأيام يمشي في بعض طرق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب فتلقط ما سقط منها فتجمعه في كساء عليها رثّ، فسألها عما تصنع بذلك؟ فقالت: إني امرأة لا رجل لي يقوم بمئونتي ولي بنيّات لا يعدن على أنفسهن بشيء، فأنا أتبع مثل هذا من الطريق فأتقوّته أنا وولدي


(١) في المقاتل ٥٢٠:

طلبت لك الحسنى فقصرت دونها ... فأصبحت مذموما وزلت عن الصدق.

(٢) ينظر الإفادة ٨٣.