ذكر نكت من كلامه #:
  قد أفهمته خبرته، وانتظمته تجربته، فلو غيّب عن العاقل اللبيب كل أمر عجيب مما فطر عليه المفطرون، وقصر عن الإحاطة بخبره العالمون، لكان فيما طبع عليه في ذات نفسه، وما يمر به في يومه وأمسه: من الفقر والغنى، والسراء والضراء، والأخذ والعطاء، والبذل والإكداء، وكثرة السكوت وطول الصموت، والإكثار في المنطق والهذر، وسرعة القلق، والجد والهزل، وغلبة الجهل على العقل، له أشغل شاغل عن الفكرة في خلائق الإنسان، وتضاد ما يختلف فيه من الجهل والعرفان، والموثوق منها معروف، والمعلّى منها مشغوف، فمن جنح إلى الأقل كبح واستوجل(١)، وذمّ غب المصدر، وكان من أمره على خطر، وأندمته آخرته لما قد دلته على علمه أوليته، وليس بحكيم من مال إلى الأمر المذموم. والخيلاء بالفضل مجانب لسبيل العقل، ومن جعل غيره لعينه نصبا، وأظهر على من سواه في سيّئ أفعاله عتبا، وكان الذي فيه لطالب عثرته أعتب(٢)، كان الواجب عليه أن يكون على نفسه أعتب، لأن من استنكر أمرا من غيره يرضى في نفسه بمثله فقد دل على جهله، ومن سهى عما يعنيه كان ما لا يعنيه أجدر أن لا يؤاتيه(٣).
  وقال #: وإن من المنكرات في من يسم نفسه بميسم الخيرات أن يضرب بطرفه صاعدا، ويكون على غيره واجدا، ولزناده زاندا، كأنه قد تهذب من الأدناس، وأمن معتبة(٤) الناس، واستقام على سوق الريادة للمستريد، أو ما عرف المعدوم من الموجود، والخير من الشر، والنفع من الضر، والحر من القر، حيث سلك في أحشائه، واتصل بحواسه وأجزائه، ثم أدّته الأركان إلى الأركان، والروح إلى الجثمان، ثم صرفته تلك العوارض الخاطرة، والنوازل السائرة
(١) في (أ) فاستوجل.
(٢) في (أ) أعيب.
(٣) مجموع رسائل الإمام القاسم ٢/ ٢٩٧ - ٢٩٨.
(٤) في (أ) مغيبة.