الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر طرف من مناقبه وأحواله #

صفحة 60 - الجزء 2

  في بعض مقاماته وقد دخل آمل وازدحم عليه طبقات الرعية في مجلسه، فقال:

  أيها الناس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون يعبدون الشجر والحجر ولا يعرفون خالقا، ولا يدينون دينا، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام وأتلطف في العطف بهم حتى دخلوا فيه أرسالا، وأقبلوا إلي إقبالا، وظهر لهم الحقّ وعرفوا التوحيد والعدل، فهدى الله بي منهم زهاء مائتي ألف رجل وامرأة، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين، ويناظرون عليهما مجتهدين، ويدعون إليهما محتسبين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون حدود الصلوات المكتوبات والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وجد ألف دينار ملقى على الطريق لم يأخذ ذلك لنفسه، وينصبه على رأس مرزاقه ينشده ويعرفه، ثم قاموا بنصرتي وناصبوا آباءهم وأبناءهم وأكابرهم للحرب في هواي واتباع أمري في نصرة الحق وأهله، لا يولي أحد منهم من عدوه ولا يعرف غير الإقدام، فلو لقيت منهم ألف جريح لم تر مجروحا في قفاه وظهره، وإنما جراحاتهم في وجوههم وأقدامهم، يرون الفرار من الزحف إذا كانوا معي كفرا، والقتل شهادة وغنما.

  ثم قال # في آخر خطبته: وأنتم أيضا معاشر الرعية، فليس عليكم دوني حجاب، ولا على بابي بوّاب، ولا على رأسي خلق من الزبانية، ولا أحد من أعوان الظلمة، كبيركم أخي وشابكم ولدي، لا آنس إلا بأهل العلم منكم، ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم، فسلوني عن أمر دينكم وما يعنيكم من العلم وتفسير القرآن، فإنا نحن تراجمته وأولى الخلق به، وهو الذي قرن بنا وقرنّا به، فقال أبي رسول الله ÷: «إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي»⁣(⁣١) والله ولي توفيقكم لرشدكم، وحسبي الله وحده وعليه توكلت وإليه أنيب.


(١) سبق تخريجه.