الإمام المنصور بالله القاسم بن علي @
  الشمائل، جزيل النائل، يؤثر على نفسه عند الحاجة العارضة، طالبا رضي اللّه العلي الأعلى، مقتفيا سنن المصطفى ÷ النجباء، وكانت مكاتباته ومخاطباته مشحونة بالحكم. فمن ذلك ما كتبه لولده علي وقد ولاه على بلاد وادعة:
  
  تعلم يا بني أرشدك الله وأسعدك، أن حكماء الأمة من جعل الإناءة نصب عينيه وشعار قلبه، ثم استظهر بآراء ذوي التجربة الذين كثرت عليهم نوائب الزمان وتتابع الحدثان، وأنت غر من الزمان وما يدور به على الإنسان، فإن استشرت من قد نقّحت التجربة عقله رشدت وسعدت، وليس كلّ الناس يستشار، فإنما الرأي لأهل العقول الرصينة، والديانة والأمانة، وليس رأي الواحد يكاد أن يبين صوابه إلا لمحصل حكيم، فإذا أردت بيان الرأي فشاور جماعة من ذوي الرأي كلا على حياله، فإن اتفقت آراؤهم فلن يكون مع الإجماع خطأ، وإن افترقت واختلفت فخذ منها بما أوجب العفو والأناة، واجعله المقدم، فإنك مع ذلك ستدرك الفائت وتأمن الندامة، فهذا وجه اجعله مقدم أحوالك، واجعل لجميع متصرفاتك أن تستشير في مأكلك ومشربك ما لا مشورة فيه ولا غنى عنه، لكن ضربته مثلا، لئلا تدع المشورة في صغير ولا كبير ولا قليل ولا كثير، الله الله وأحذرك نفسك، فإنّها من أعداء أعدائك لك، وأشدهم مضرة عليك، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}[سورة يوسف: ٥٣]، وقال ø:
  {وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}[النازعات: ٤٠ - ٤١]، والهوى فاصل كل معصية.
  وقد قال #: وإذا خطر ببالك خاطران فخذ بأكرههما إليك، فإن الرشد فيما تكرهه النفس، وسوف تدعوك نفسك إلى الدنيا وزينتها من وقتك هذا إلى آخر عمرك، فإن أجبت دعوتها وضعك ذلك وأذهب بهاك، ونظرك بعين الدناءة