ذكر طرف من مناقبه وأحواله #:
  ويتبركون بحمله فلا يمكّن أحدا من حمله، ويقول: أنا أحمله قسرا للهوى، وتركا للتكبر لا لإعواز من يحمله(١). وكان قدس الله روحه يجالس الفقراء وأهل المسكنة، ويكاثر أهل الستر والعفة ويميل إليهم، ويلبس الوسط من الثياب القصيرة إلى نصف الساقين قصيرة الكمين، وكان يرقع بيده قميصه، ويشتمل بإزار إلى أن يفرغ من إصلاحه، وكان يلبس قلنسوة من صوف أحمر مبطنة يحشوها بقطن ويتعمم فوقها بعمامة صغيرة متوسطة، وكان يلبس جوربا يخيطه من الخرق ثم يلبس البطيط(٢)، وكان لا يتقوت ولا يطعم عياله إلا من ماله، وكان يرد الهدايا والوصايا إلى بيت المال، وكان يكثر ذكر الصالحين، وإذا خلى بنفسه يتلو القرآن بصوت شجيّ حزين، وكان غزير الدمع كثير البكاء، دائم الفكر، يتأوه في أثنائه، وربما تبسم أو كشر عن أسنانه، قال القاضي يوسف: صحبته ست عشر سنة فلم أره مستغربا في الضحك، وكان لا يفطر في شهر رمضان حتى يفرغ من العشاء الآخرة، وكان يداوم على الصلاة بين العشاءين، ويطعم في شهر رمضان كثيرا من المسلمين، وكان يمسك بيت المال بيده ويحفظه بنفسه ولا يثق فيه بأحد ويفرق على الجند بيده، ويوقع الخطوط بيده(٣).
  وحكي: أنه ¥ اشتهى يوما من الأيام لحم حوت، فبعث الوكيل إلى السمّاكين فلم يجد فيها إلا حوتا لم يقطع، وقالوا: لا نريد أن نقطعه اليوم، فعاد إليه وأخبره بامتناعهم من قطعه، فوجهه ثانيا، فقال: مرهم عني بقطعه، فأبوا قطعه، فلما عاد إليه حمد الله على أن رعيته لا تحذر جنبته، وأنه عندهم ورعاياه سواء(٤). وكان قدس الله روحه كثير الحلم عظيم الصفح، يحكى أنه دخل
(١) سيرة المؤيد بالله ١.
(٢) البطيط: رأس الخف بلا ساق. القاموس ص ٨٥١.
(٣) سيرة الإمام المؤيد ٢.
(٤) سيرة الإمام المؤيد بالله ٢ والشافي ١/ ٣٣١.