ذكر نكت من كلامه #:
  بنيت على أساس متين لم تستقم ولم يطل لبثها، (كذلك التوبة إذا لم تبن على الخوف والخشية)(١) لم تستقم ولم يطل لبثها، ولهذا كثير من المتكلمين بنوا أمر الخواطر التي ترد على المكلف في أول أمره على الخوف.
  واعلم أن أكثر الأشياء دواعي وأقربها بواعث على الغرض المقصود في هذا الباب هو الاستكثار في ذكر الموت وإشعار النفس أسباب الفوت والأحوال التي تكون عند الموت وبعد الموت من البلاء في القبر وأحوال النشور والبعث، وأحوال أهل الجنة والنّار، والاستدامة لتصورها وتمكين ذكرها من النفس، حتى ينكسر مرحها، ويخف أشرها، وتكثير إيرادها على القلب حتى يغمره وتستولي عليه.
  ومن أحس من قلبه بالقساوة وقلة التنبه فليتصور أحواله عند الغرغرة والنزع عند مفارقة الروح للجسد، وكيف يبقى بين أهله طريحا ذليلا، وأحوال أهله وأيتامه، وكيف يبكون عليه ويندبونه، وكيف يأخذون عنه ثياب الدنيا، وكيف يطرحونه على المغتسل، وكيف يلقونه في الكفن، ويدلونه في القبر، وكيف يبلى هناك، وكيف تعيث الدواب والحيات في لحمة وجلدة، ولينح على نفسه بذلك بصوت شجي في الخلوات وفي ظلام الليل، فإن العلم بهذه الأحوال علم الضرورة، والإنسان قد شاهدها كثيرا، وما يعلم ضرورة ويكون مشاهدا يكون تأثيره في النفس والقلب أقوى، فليهتم بهذا الباب اهتماما صادقا. وبلغني أن نوحا # سمي نوحا، لأنه كان ينوح على نفسه، فإذا ظهر تأثير ما قلنا في القلب والنفس وأجرى دموعه فكّر(٢) حينئذ في أحوال البعث والنشور، والجنة والنّار التي طرق العلم بها اكتساب، فإنه ينتفع بذلك إن شاء الله تعالى نفعا بينا.
  وقال قدس الله روحه في هذا الكتاب من باب الإرادة [٥٧]: اعلم أن الإرادة هي طلب الانقطاع إلى الله ø من كل ما سواه، قال الله تعالى:
(١) ما بين القوسين ساقط في الأصل.
(٢) في (أ): أفكر.