ذكر نكت من كلامه #:
  خذله وقاعد قعد عن نصرته، وناكث نكث على نفسه عقد بيعته، ومارق مرق عن طاعته، وقاسط قسط في إهمال ما أوجب الله تعالى من ولايته، وما ثبت معه على أمره إلا فريق من المهاجرين والأنصار الذين محضوا الإيمان محضا، ورأوا طاعة الله فرضا.
  وقديما عهد إليه الرسول ÷ بذلك، فقال: «يا عليّ إنك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين»(١)، فلم يزل ذلك دأبه ودأبهم حتى قتله الأشقى، ومضى عليه الصلاة والسّلام شهيدا، ولاقى ربه حميدا.
  فانتصب للأمر بعده الإمام الوافر والقمر الزاهر، سبط النبي وسلالة الوصي الحسن بن عليّ صلوات الله على روحه في الأرواح، وعلى جسده في الأجساد، فرأب صدع الدين، ودعا إلى الحقّ المبين، ولم يأخذه في الله لومة لائم، إلى أن خذله أجناده، وقعد عنه أعضاده، وبسطت إليه الأيدي بالسوء، فجرح ودفع عما انتصب له، ودعي إلى سلم من كان له حربا، وغصب على الأمر غصبا، ثم لم يرض بذلك حتى قتل مسموما، ودفن مظلوما.
  فقام بالأمر بعده من ترك الدنيا وزينتها، وأراد الآخرة وسعى لها سعيها الحسين بن عليّ #، فشهر سيفه وبذل نفسه، ونهض إلى العراق لمنابذة الفساق بعد ما دعي إليها ووعد النّصرة بها، فتعاوره من حزب الشيطان من لم يزل مبطنا للنفاق، ومصرا على الشقاق، فقتلوه أقبح قتلة، ومثلوا به أشنع مثلة، وغودر صريعا، ونبذ بالعراء طريحا، وحزّ(٢) رأسه وحمل إلى من بان كفره، وظهر ولاح عناده وانتشر، وسبيت بنات رسول الله ÷ وأطفاله كما سبيت ذراري المشركين، فلم يكن من المسلمين من يغضب لله ويذبّ عن حرم رسول الله
(١) ترجمة الإمام علي لابن عساكر ١/ ٢٠٠ - ٢١٤ برقم ١١٢٠٦ إلى ١٢١٩، ومجمع الزوائد ٧/ ٢٣٨ ومختصر زوائد البزار ٢/ ١٧٤ برقم ١٦٤٠ والطبراني في الكبير ١٠/ ٩٢ برقم ١٠٠٥٤ وأسد الغابة ٤/ ١٠٨ ومستدرك الحاكم ٣/ ١٣٩، والسيوطي في الدر المنثور ٥/ ٧٢٥.
(٢) في الأصل (ووجّه)، والصحيح كما في أخبار أئمة الزيدية نقلا عن روضة الحجوري.