الإمام الناصر أبو الفتح الديلمي #
  ولمن اعتصم به مجيرا، ولجميع الإنس والجانّ مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
  ثم خرج فيه إلى ذكر علي #، فقال بعد كلام له: صبر أمير المؤمنين ~ في تلك الفتن الصمّ والمحن، اللهم صبر مثله، إذ جرّبته الخطوب، وعزت على الإساءة الندوب، وشابت من أهوالها المفارق، ونشرت على مناجبها(١) المرافق، وأعوز فيها الناصر، وقل عندها التناصر، وذل فيها المساعد، وخفي لديها المراشد، {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً}[الأحزاب: ١٠]، إلى أن ثني له # الوساد، ووطّئ له المهاد، بانقراض الدول المبطلة، وتوالي الأيام المضمحلة، فصدع به فجر الإحسان، وهمت من الله سماء الرحمة والامتنان، وأضاء وجه الدين بعد كسوفه، وأنار بدر الشريعة بعد خسوفه، وتباشرت الأمم بأيامه، وتكاثفت النعم بالتئام أمره وانتظامه، فما كان بأسرع من لمحة بصر، واستطارة شرر، أن جمع الناكثون بالبصرة، وحسروا عن لثام الغدرة، فجعل الله لوليه النصر، وأذاقهم وبال الأمر، ورد عاقبتهم إلى الخسر، ولم يعتبر بذلك ابن أبي سفيان مع جموع الباطل والطغيان ومردة الإنس والجان، وأصحاب الطواغيت، وأحزاب العفاريت، وفرق الضلالة، وزمر الجهالة، حتى كان منه ما كان إلى غير ذلك مما عانا # من قتال الخوارج المارقين الفسقة الباغين، فحين كادت الأرض أن تغني بأزاهير عدله، وتهتز بأنوار فضله، وتتبرج في حلة الحق، وتزهو بظهور الإنصاف والصدق، وتصفو مشاربها من المحتفين، وتخلو مذاهبها من كل طنين، ويجري عليها أحكام الكتاب المبين، خيّر لقتله أشقى الأولين
(١) في (أ) على مصاحبها.