الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

الإمام الناصر أبو الفتح الديلمي #

صفحة 190 - الجزء 2

  والآخرين، فضرب هامته وخضّب منها شيبته.

  ثم قال # بعد كلام في هذا المعنى في ذكر الحسن والحسين: فالمشتكى إلى الله تعالى من أمة ضلّت عن سواء السبيل، ودخلت في شريعة رسولها بالتغيير والتبديل، وجازت بنيه بالنفي والتقتيل⁣(⁣١)، وفرقت ما جمعه، وابتذلت ما حماه ومنعه، ووالت أعداءه، وعادت أولياءه، وتبعت من قهره، وخذلت من نصره ورفعت من وضعه، ووضعت من رفعه، وآوت من ناواه، وناوأت من آواه، ونبذت كتاب الله تعالى، الجامع للأمر والزجر، كأنهم عنه عمون، وعن حوار بيانه تائهون، وعن واضح آياته حائرون، وإلى العمى والتيه صائرون، قد ألفت طريقة الزيغ والعناد، واستوطت مركب الجور والفساد، قرنا فقرنا، وزمنا فزمنا، وخلفا وسلفا، من لدن الأيام الأموية إلى العباسية إلى أهل هذه الغاية في أهل هذا البيت الشريف، والمحل المنيف، الذين رفع الله ذكرهم وأجل قدرهم وجعلهم مفازا للمتمسكين، ومنجى للمعتصمين، في يوم لا تنفع فيه الندامة، وتقوم فيه القيامة، وتطم الأهوال، وتعظم الأوجال {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ٩٠ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ}⁣[الشعراء: ٩٠ - ٩١]، وكانوا $ - في تلك الأعصار المظلمة والمدد المدلهمة، والأوقات الغابرة، والأزمان الجائرة - بين مقتول ومطرود، ومخذول وشريد، ونفي وقصي، ومستور ومنكور، ومسلوب ومحزون، مقرهم قنن الجبال، ومأواهم معدن الأوعال، خائفون هائنون، سائحون على الأرض سائبون، فكم من أخمص مطهّرة وقدم منزهة، قد شيكت في الهرب، ودميت خوفا من درك الطلب، وعين قد قرحت بالسّهاد، وناظر حرم طعم الرقاد، وحرّ وجه لوّحته الهواجر والسمائم، ومصون بدن أنصبته الموامي والدّيامم⁣(⁣٢)، يظلون بأكباد حرّاء طاوية، ويبيتون بأبدان سلباء عارية، قد


(١) في (أ) بالبغي والتقتيل.

(٢) في (أ) الديام.