الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

الإمام الناصر أبو الفتح الديلمي #

صفحة 191 - الجزء 2

  أتعبتها الأسفار، وعرفتها البراري والقفار، حقوقهم مصروفة إلى القيان والخدم والخصيان، قد اتخذوا ملابسهم من وشي اليمن، ومجالسهم من صنع الأرمن، وصيّروا دين الله لهوا ولعبا، والتمرد على أوليائه طريقة ومذهبا، لا يألونهم خبالا، ولا يزيدونهم إلا ختالا، وكل من قام من هذه العترة الطاهرة للانتقام والانتصار والاقتصاص والإيثار رموه بالدواهي، وأخذوا عليه المرامي، وسددوا إلى مقاتله، واجتهدوا في نصب حبائله.

  فانظروا رحمكم الله كيف صلب زيد بن علي @ بالكناسة، وقطع رأس يحيى بن زيد في المعركة، وخنق عبد الله بن الحسن بن الحسن في حبس الدوانيقي، وقتل ابنه محمد وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العباسي، وهزم إدريس بن عبد الله بفخ حتى وقع إلى الأندلس فريدا، ومات عيسى بن زيد ببلد الهند طريدا شريدا، وقتل يحيى بن عبد الله بعد الأمان والأيمان، وبعد ما كتب له العهد والضمان، هذا غير ما فعل بسادة طبرستان، وقتل محمد بن زيد والحسن بن القاسم الداعي على يد آل سامان، وغير ما فعل أبو الساج⁣(⁣١) بسادة المدينة حملهم بلا غطاء ولا وطاء من الحجاز إلى سامرّاء، وبحسبكم أنه ليس في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها لقتيل طالبي تربة.

  ثم قال # بعد ذلك: لم يخلق دار الدنيا للإخلاد إليها، ولا للاعتماد عليها، والاغترار بفواني رغائبها، وعواري مواهبها، ومقتضى لذتها، ومبهج جدّتها، وخلب بارقها، ومظلم شارقها، ومتقلص ظلها، ومجدب قلها، وأجاج موردها، ومنثنى مرقدها، ومستحيل بهائها، ومتغير روائها، بل جعلت لعمل الأخرى، وتمهيد مقر العقبى.

  واعلموا معاشر الناس، أنّ الله تعالى لم يترككم سدى هوامى تترددون بغير راع، ولا نفشا تسرحون بلا محام ولا مراع، ولكن من لطفه الخفي، وصنعه


(١) في «أ» السباج.