الإمام الناصر أبو الفتح الديلمي #
  وطلعت شموس الجور، وأفلت نجوم العدل، وكسف(١) وجه الدين، وغاصت مياه الحميّة، واطرحت جواد السؤدد، وعلت التحوت(٢)، وهبطت الوعول، وهطلت سماء الطغيان، وتوافرت جموع الشيطان، وكثر الشقاق والتمرد والنفاق، وغيّرت الأحكام، وارتشت الحكّام، واعضوضل أمر أئمة الزيغ والفساد، والحيف والانمياد، وقصروا لأمرهم عنه قاصرون، وعن أعبائه عاجزون، كلا إنهم في الغلو جامحون، وفي غيل الغواية حاذرون، وفي تيه الغرّة حائرون، قد حكموا بغير حكم الكتاب، وضلّوا عن وجه الصواب، ووقفوا مواقف الأطهار، بلا ماثر ولا عناصر، فلا حياء يردعهم، ولا ورع يمنعهم، ولا نكير يصدهم، ولا دين يردهم، قد أقروا على عمايتهم، واتبعوا في ظلماتهم، واستحسن شنيعهم، واستعجب فظيعهم، فعند ما ذكرنا من الأمور المستنكرة، والأسباب المنفرة، والأحوال المغيرة، وجب علينا ترك الدنيا بالكلية، والفزع إلى الله جل ثناؤه بالجملة، واستحلى طعم المنية، والقيام في أمة نبينا ÷ بالسوية، واستدعاء أعضاد ليكون لنا رداء على المناوين، ويدا على الباغين، يبذلون المهج، ويمسحون عن جبين الدين الرهج، كماة المأزق، وحماة الحقائق، ذوي البلاء والآراء، والنّقّاذ لدى المضائق والمضاء، يقاتلون على بصيرة، ويلاقون على حسن سريرة، ويطلبون حقوقا طالما مطل غريمها، وانتهك حريمها، وسيجبر صنع الله الجميل وإحسانه المعهود الجزيل قضاءها، ويزول عن قريب التواؤها، إن أعدّ الله لذلك توفيقا وتأييدا وصنعا من لدنه وتسديدا.
  ثم قال #: ولم يتصل بهذا الأمر الخطير والموضع الأثير، إلا بالنسب
(١) في (أ) وكشف.
(٢) في (أ) التحوت: الأراذل السفلة كما في الحديث «لا تقوم الساعة حتى تظهر التحوت، وتهلك الوعول» أي الأشراف. القاموس ص ١٩٠.