الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

السيد أبو طالب الأخير #

صفحة 209 - الجزء 2

  وآمره بتقديم الحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، فيما يستنبط منه العلم، ويستخرج منه الحكم، فيبدأ بأعلاها طبقة، وأسناها درجة، وأسبقها حكمة، وهو الحق اليقين، والنور المبين، كتاب الله العزيز، وحرزه الحريز، الهادي إلى الرشد، والمنادي لدى الحشد، والحجّة في التعرّف والتعريف، والباقي مدى⁣(⁣١) التكليف، المنجي من الردى، والمرجى نحوه الهدى، والمصباح الأزهر، والصباح الأنور، والمهيع الألوح، والمشرع الأروح، والعهد الذي لا يفسخ، والقصد الذي لا ينسخ، والمتين الذي لا يتضعضع، والمكين الذي لا يتزعزع، تجد عنده اليمن والأنس، وعجز عنه الجنّ والإنس، وانتفى عنه العمى واللبس، وسكن إليه اللبّ والنفس، شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، فمهما حزنه مشكل، أو دهاه حكم معضل، فزع إلى نصوصه، وفحّص معنى عمومه وخصوصه، وائتمر بأوامره، وانزجر عن زواجره، وقام بحدوده، وعمل بعهوده، ولم يعده إلى ما عداه، ما وجد فيه نصا أو فحواه، فهو الأصل لما سواه، لا تفترق مبانيه، ولا تختلف معانيه: {وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}⁣[النساء: ٨٢].

  وآمره إذا أعوزه في هذه المظنّة أن يتطلبه فيما يتلوه من السنة فيتخذه للقضاء فصلا، سواء ثبت قولا أو فعلا، فهو الحجّة الثانية للقرآن، والمحجّة التالية للفرقان، والمضاهي له في الحجّة وإن فاضله في البهجة، والمداني في الإيجاز، وإن لم يبلغ حدّ الإعجاز، فما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، إذا تواتر أوجب العلم والعمل، وإذا تقاصر فروي بطريق الآحاد لزم العمل. فهما في وجوب العمل سيّان، وإن اختير الظّن عند الآحاد، وجرى التواتر مجرى العيان في الفؤاد، فإن تعارض الخبران، وتناقض المخبران، فسبيل المجتهد أن يبحث عن


(١) في (أ): بقاء.