ذكر طرف من مناقبه وأحواله #
  مشر(١) لا تفرق بين جنى النحل ونفاخ العشر، تنكر البغي ولا تعرف حقيقة الباغي، وتحذر من الطغيان وأنت عين الطاغي، لا تعرف الزواجر فتنزجر، ولا تأمّل العبر فتعتبر، فأنت كالبهيمة المهملة، والضالة المرسلة، لا تعرف من الخير والشر إلا ما شاهدت، ولا تعتذر إن حاردت، تلعب إن أخصبت، وتنكب من أجدبت، جعلت أهل بيت الذكر والرحمة وولادة النبوة ومعدن الحكمة خوارج، ويحك فمن الوالج؟ ما أنت إلا من الهمج الهامج، تستخفه أخف ريح، فيرنح ويطيح.
  ومن هذا الكتاب قوله # بعد ذكر جماعة من الأئمة السابقين $: أفهؤلاء بزعمك خوارج، اعرف المداخل والمخارج، قبل أن تحطمك الأنياب اللوامج، فتحرمك الصفو، وتسقيك الحاضج، أفرق بين الخل الذائل والسنم العفضاج(٢)، وبين أضعف الدوارج وبين الفيل السائج، كم بين النبع والعشر، واللب والقشر، والقبس والدخان، والنحاس والعقيان، حولت وبدلت وضيعت وأهملت، وظننت أن الدين يبطل بالغلب، وأن المال يملك بالسلب، لا بد من حدود شرعية توقف عندها ودونها، ويلعن الذين يتجاوزونها، والباطل فرقة ولو انضاف إليه الأكثر، والحق جماعة وإن كان حزبه المشفّر.
  ومنها قوله: رد ورد القطاة، واحمل في الحوصل والأطحل، لا تحجل في الفلاة محجل فلن ينتقص بحر مجدنا، ولن يستلب شرف جدنا، ولن تفل شباة حدنا:
  ما يضر البحر أمسى زاخرا ... أن رمى فيه غلام بحجر
(١) المشر: شيء كالخوض يخرج في اسم والطلح. لسان العرب ٥/ ١٧٣.
(٢) الخل: النحيف المختل الجسم. الذائل: طويل الذيل. والسنم: ككتف، وهو البعير العظيم السنام. والعفضاج: الضخم السمين. القاموس المحيط ص ١٢٨٤، ١٢٩٥، ١٤٥٢، ٢٥٤.