الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر طرف من مناقبه وأحواله #

صفحة 278 - الجزء 2

  يتمارى فيه اثنان، ولا يتراد رجلان، وكم من موقف حطّم فيه الوشيح، وثلّم الصفائح، وكان أمام جنوده معلما، يمشي إلى الموت قدما قدما، حتى انجلى القتام، وقد فاز بمحاسن الثناء من أهل الأرض والسماء، يشهد لذلك يوم عجيب، وقد قل رجع الكلام، وانهزمت جنوده الجمة وهو في وجه العدو، ولا يرغب في التولي عن لقائه حتى لقد دقّه الأمير عماد الدين بالرمح دقة لما تفرقت العساكر بعد أن أحب الصبر للشهادة فحاطه الله عز وعلا عن كيد الأعداء، لما انتهى إليه الحال من علو كلمة الدين وإخماد نار الجاحدين، وقطع دابر المفسدين.

  وكذلك يوم صنعاء فله فيها المقام الهائل، فإنه دخل في نفر يسير لا يدفع بهم عن نفسه وفيها من جنود العجم خلق كثير إلى سبعمائة فأرسل وهو المقصود، فدخل # غير هائب للموت، وأذن مؤذنه بالأذان النبوي، فصلى وروعه مجموع، وقلبه غير مصدوع، ثم أعلى الله يده، ووفّر جنده، وقذف الرعب في قلوب أعدائه، [وكذلك يوم ذمار فإنه كان سابقا لجنوده يذود]⁣(⁣١) جنود الأعاجم على كثرتها بين يديه كما يذود الراعي غنمه، ولقد أخبرني من كان حاضر الوقعة أنه شاهده منفردا لا ثاني له في الكر عليهم، وقد ذكر ذلك في بعض أشعاره # فقال:

  وفي ذمار تركت الجيش عن كمل ... خلفي وكافحتها عن دين معبودي

  وكذلك يوم هران وهو حاسر، فانجلى ذلك اليوم عن مقام له أغر، ولكم له من يوم أغر، عاود فيه الكر واستحيى من الفر، وكان قطب رحى الحرب إذا توقدت نيرانها، وتنازلت فرسانها، وتداعت أقرانها، فحينئذ تجده خائضا لغمرتها، متوسطا في لجتها، تارة يحطم القنا في نحور المفسدين، وحينا يعصب بالهندي كبش المعتدين. وكان # حسن التدبير، صائب الرأي، ولقد استقرت


(١) في (ب) ساقط ما بين المعكوفين.