وكتب # إلى ولده الأمير الناصر لدين الله
  لتكون قد ألزمت قلبك ما يجب عليك من طاعة ربك، ولا تسأم الدرس، ولا تمل إلى هوى النفس، واغتنم أيام الفراغ فيوشك أن يشغلك الناس بأمورهم عن أمر نفسك، فتكون لهم آلة إلى بلوغ أغراضهم إما مالكا وإمّا مملوكا، وقد ضيّعت الأهم من غرضك، وبادر أيّام الشبيبة أن تنفد، فما فات منها فلن يرتدّ، وليس له بدل ولا به عوض، وعليك بالحلم والتواضع لمن أخذت منه العلوم خصوصا، ولسائر المسلمين عموما، والزم الرفق والأناة إلّا عن اكتساب الخيرات وفعل الطاعات فبادر ما استطعت فإنه ميدان سباق، وأكره نفسك على مرارة الطاعة لتذوق حلاوة الجزاء والمثوبة، ولا تنس نعمة الله سبحانه عليك بشرف النصاب النبوي، وفضل النجار العلوي الذي تقاصرت دونه الأنساب، وخضعت له الأعناق، وأهن(١) نفسك في كسب العلوم لتعزّ في الدنيا والآخرة، وعليك بحسن الخلق فإنه عنوان الإيمان، وإيّاك والعجلة فإنها حبالة الشيطان، وتحفّظ من منطقك من عثرة اللسان، ولا تكثر الضّحك فإنه يميت القلب ويورث الأحزان، وإيّاك ومجالسة السفهاء فإنها مجانبة للإيمان، وعليك بتوقير أهل الأسنان، واعرف لأهل الحق حقوقهم، وأنزلهم في نفسك منازلهم، ولا تظلم عند القدرة، وأقل العاثر العثرة إلا أن تعلم أو تظن أنّ ذلك مؤدّ إلى التمادي في الطغيان، واشكر على القليل، وجاز على الإحسان بالإحسان، وانصف خصمك من نفسك قبل أن تلجأ إلى حاكم لا يصغي إلى الإدهان، واستشعر خيفة الرحمن في السرّ والإعلان، واعرف حقّ والديك وأدّه وصل رحمك، واخفض للمؤمنين جناحك، وأحسن طاعة من وليك وسياسة من وليته، ولا تكثر النوم فإنه يورث الفقر في الدنيا والآخرة، وشمّر عن ساق الجدّ، ولا تيأس من إدراك المطلوب، ونفّس إن استطعت كربة المكروب، واحمد الله على كلّ حال من رخاء أو شدّة،
(١) في (ب): وأمر.