(وقعة الجمل)
  منهم، وقد ردنا بكلامه الحلو في غير موطن. وجعلوا يقولون والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فقال علي #: يا ابن عبّاس، انهض إلى القوم فادعهم بمثل الذي دعاهم به قنبر، فإني أرجو أن يجيبوك، فقال ابن عباس:
  يا أمير المؤمنين ألقي عليّ حلتي، أو ألبس على سلاحي فإني أخافهم على نفسي، قال: بلى، فانهض إليهم في حلّتك،
  من أي يوميك من الموت تفر ... من يوم لم يقدر أم يوم قدر
  قال: فنهض ابن عباس إليهم وناداهم بمثل الذي أمره به(١)، فقالت طائفة:
  والله لا نجيبه حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، وقال أصحاب الحجج في أنفسهم: والله لنجيبنّه ولنخصمنّه، ولنكفّرنّه، وصاحبه لا ينكر ذلك، فقالوا:
  ننقم عليه خصالا كلها موبقة مكفّرة: أمّا أولاهنّ فإنه محى اسمه من أمير المؤمنين حيث كتب إلى معاوية؛ فإن لم يكن أمير المؤمنين فإنه أمير الكافرين، لأنه ليس بينهما منزلة، ونحن مؤمنون ولسنا نرضى أن يكون علينا أميرا.
  ونقمنا عليه أن يقسّم علينا يوم البصرة ما حوى العسكر. وسفك الدماء ومنعنا النساء والذراري فلعمري إن كان حلّ هذا فما حرّم هذا! ونقمنا عليه يوم صفين أنه أحب الحياة وركن إلى الدنيا حبّا بيّنا أن نقاتل معه وأن ننصره حيث رفعت لنا مصاحف أهل الشام، فهلا ثبت وحرّض على قتال القوم وضرب بسيفه حتى نرجع إلى أمر الله ونقاتلهم، والله تعالى يقول:
  {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: ٣٩]، وننقم عليه أنه حكّم الحكمين فحكما بجور لزمه وزره(٢).
  ونقمنا عليه أنّه ولّى الحكم غيره وهو عندنا من أحكم الناس.
(١) في (أ): بمثل الذي ناداهم به.
(٢) في (أ): ولزمه رده.