ذكر طرف من مناقبه وأحواله #
  الماء في الجدار. مات # وقد غلب الشيب على عارضيه خاصة، وقال له بعضهم: يخضب عارضيه(١). فقال بديها:
  قالوا اخضب الشيب إن الشيب منقصة ... في أعين الرشئيّات(٢) الرغاديد
  فقلت: ذاك كما قلتم وهيبته ... نقيض قولكم في أعين الصيد
  نحن الذين ضربنا الناس عن عرض ... على البياض فهل نرضى بتسويد(٣)
  وكان # صادق الحدس، قوي الفراسة، يعرف بذلك من خبره من المخالطين، ويعد باليقين من جملة المحدثين، ولكم من أمر أخبر به قبل أوانه بالحدس فكان كذلك وهو معنى قول النبي ÷: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه»(٤)، قال الشاعر:
  الألمعي الذي يظن بك الظ ... ن كأن قد رأى وقد سمعا
ذكر طرف من مناقبه وأحواله #
  هذا باب لا سبيل إلى استقصائه، وإنما نذكر اليسير ففيه كفاية ومقنع لمن قلّت خبرته به # وإلا فأحواله ظاهرة وبدور شرفه باهرة.
  نشأ # من صغره على أشرف طريقة وأزكى حالة، لم يعرف له شغل في حال صباه باللعب ولا ميل إلى اللّهو والطرب، وأخبرني من أثق به كل الثقة أنه # لما فرغ من تعلم القرآن الكريم في حال صغره وأدرك منه الوطر أخذ يتأسف على ضياع العمر وفوات العلم وأطنب في ذلك، فأعلم بعض إخوته والده # بذلك فدعاه وتحدث معه، وقال له: يا بني إنه لم يمض من المدة إلا القدر الذي
(١) في (أ): عارضه.
(٢) الظاهر أنه جمع رشا وهو ولد الظبية. معجم قواميس اللغة ٣٨٤.
(٣) ديوان الإمام عبد الله بن حمزة «خ» ٣٠٥.
(٤) كنز العمال ١١/ ٨٨ برقم ٣٠٧٣٠ والترمذي ٥/ ٢٧٨ برقم ٣١٢٧، وفتح الباري في شرح البخاري ١٢/ ٣٨٨.