وأما كراماته التي خص بها
  أوامره ونواهيه في الأقطار، وكان في الدهاء والحذق والحدس الصائب إلى حد يفوق، ومن عاشره علم ذلك ضرورة من حاله، وعرف مرتبته على أرباب هذا الشأن، وإنّ آراءه كانت تشرق أنوارها إذا دجت دياجير الخطوب، واعلنكست(١) وتضاعفت ظلمات الكروب، حتى يستثير الآراء الكامنة الصائبة، ويستنبط أنواع الصواب الباطنة.
وأما كراماته التي خصّ بها
  فهي كثيرة لا سبيل إلى استقصائها، وكثير منها يعلم بالاضطرار لقرب العهد إلا أنا ننبه على ما لعلّه يغمض عمن نأت داره، فمن ذلك ما روى لنا الأمير الأجل الكبير عماد الدين شيخ العترة الأكرمين حرس الله ببقائه الإسلام - عن خالته أم الإمام المنصور بالله وكانت في نهاية الصلاح قالت: أمسينا على غير طعام والإمام # في حال صغره، فلمّا نام وهي متيقظة سمعته يمضغ ساعة ثم تجشأ بعد ذلك، فوضعت يدها على بطنه فوجدته ممتليا كما يوجد بطن الشبعان فلما استيقظ سألته: ما أكل؟ فأخبرها أنه أتى إليه بشيء على هيئة الملح فأكل منه حتى شبع.
  ومن ذلك ما رواه لنا شيخنا بهاء الدين أحمد بن الحسن الرصاص قدس الله روحه: لما دخل # صنعاء المرة الأولى، رأى فوق الإمام # وعسكره طيورا صافة من الثمانية إلى التسعة إلى العشرة بيضاء مخالفة لما عهد من الطيور، وهي قصة ظاهرة.
  ومن ذلك مجيء فرسه # وبغلته عليها درعه، وذلك لأنه(٢) لما دخل المسجد وأحاطت به الجنود وهي إلى سبعمائة فارس لا يرى منها إلا الحدق، ووقف في المسجد الجامع حتى صلى صلاة المغرب والعشاء، وتفرقت تلك الجنود
(١) في (ب): واعتكست.
(٢) في (ب): أنه.