مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في أن الله لا يريد القبيح]

صفحة 111 - الجزء 1

  فأما قوله: كيف يكون في ملكه ما لا يشاء، وأن ذلك يدل على كونه عاجزا؟

  فالجواب: أنه إنما كان يدل على العجز لو أراد المنع من ذلك، ولكنه لو منع لبطل التكليف ولم يستحق المحسن ثواب الإحسان، ولا المسيء عقاب الإساءة، وإنما أمر سبحانه تخييرا، ونهى تحذيرا، فكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا، فله الحمد بكرة وأصيلا، والدار الآخرة دار الجزاء، وهذه الدار دار العمل لمن برم الزاد، وقدم الاستعداد.

  وأما قوله: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ}⁣[يونس: ٩٩]، وما شاكله من الآيات فذلك مستقيم، ومعناه أنه لو شاء إكراههم على الإيمان لآمنوا كرها لا طوعا، وكان التكليف يرتفع وتنتقض الحكمة، ويزول الغرض بالتخيير والتمكين، ولا يفرق بين المسيء والمحسن، وقد قال تعالى: {لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}⁣[الأنفال: ٣٧]، وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ}⁣[البقرة: ٢١٤]، وقال: {الم ١ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}⁣[العنكبوت: ١ - ٢]، فلولا الإحسان والتخيير لم يتفاضل الناس في المنازل، ولو عجل تعالى عقوبة العاصين لما عصي، ولو عجل ثواب المطيعين لأطاع الجميع رغبة في العاجل، لكنه جعل الجميع غيبا آجلا ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، والمراد ظهور المعلوم وليقع الاستحقاق، وإلا فهو تعالى علام الغيوب يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن كيف كان يكون، وما كان لو لم يكن كيف كان يكون، ولكنه ليس يصلح في الحكمة أن يعاقب بعلمه ولا يثيب بعلمه قبل وقوع الفعل من العبد؛ لأنه لا يستحق التعظيم والثواب، والاستحقاق والعقاب، إلا على فعله وعلمه تعالى غير فعل عبده.