مسألة [في القضاء]
  الجواب عن ذلك: أن مذهب أهل العدل متقرر على أن الله تعالى لا يقضي إلا بالحق ولا يقضي بالفساد وظلم العباد بمعنى أن يفعله أن يجبر العباد على فعله، وإذا قد وقع ذكر القضاء فلنقرر قاعدة نرجع إليها.
  اعلم أن القضاء في كتاب الله تعالى على ثلاثة أوجه:
  قضا: بمعنى الإخبار والإعلام يحكيه قوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً}[الإسراء: ٤] معناها: أخبرنا وأعلمنا.
  وقضى: بمعنى الأمر والإلزام يحكيه قوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء: ٢٣]، وقضى: بمعنى الخلق والتمام يحكيه قوله تعالى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ}[فصلت: ١٢]، معناه: خلقهن وأتم خلقهن.
  وأما قوله: إن الأمة أجمعت على أن المعاصي بقضائه تعالى فمنهم من قال بمعنى العلم، ومنهم من قال بمعنى الفعل وصححه، فذلك صحيح في الأول غير مسلم في الثاني.
  وقوله: إن لفظة القضاء يسبق إلى فهم السامع منها الفعل، هو موضع النزاع، فمن أين ادعى تسليمه؟ وهل هذا إلا على تحكم بمجرد الدعوى؟ لأنا نعلم أن لفظة القضاء مشتركة فإذا أضيفت اختصت كغيرها من ألفاظ الاشتراك، فإن قيل: إن المعاصي بقضاء من الله سبحانه على معنى أنه علمها وأعلم بها فذلك صحيح، ولكن لا بد من التقييد حتى لا يلتبس الأمر بغيره ويتوهم فيه تعالى سامع القول أنه فعل المعاصي فهو يتعالى عن ذلك ويتقدس.