مسألة [في متشابه القرآن]
  والوجه الثاني: من معنى المحكم، أنه كل لفظ إذا أطلق سبق إلى فهم السامع معنى أو معنيان أو أكثر تشهد بصحته دلالة العقل وصريح السمع، يحكيه قوله تعالى: {آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ}[آل عمران: ٧] فلم يصف بالإحكام على الوجه الأخير إلا البعض؛ لأنه قال تعالى: {مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ}[آل عمران: ٧] أي: أصله الذي يرجع إليه {وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ}[آل عمران: ٧] فنوعه نوعين، فلولا حملنا له على هذه المعاني الصحيحة لكان عز قائله وشرف متناقضا؛ لأن الشيء لا يكون بصفتين متباينتين في حالة واحدة ولا يسوغ ذلك عقل سليم.
  قلنا: ولا يحسن أن يخاطبنا سبحانه بخطاب لا يفهم معناه، والدليل على ذلك أنه تعالى حكيم والحكيم لا يفعل القبيح، أما أنه حكيم فلأنه عالم غني، ولا يقع القبيح والعبث إلا من الجاهل المحتاج، وقد صح علمه بوجود الأفعال من قبله محكمة، وغناه باستحالة الحاجة عليه؛ فإذا خاطبنا بخطاب لا يفهم كان كمخاطبتنا للعربي بالزنجية ولا ترجمان، فإن ذلك يكون عبثا، لأنه لا يخلو إما أن يريد منه معرفة ما تكلم به أو لا يريد، فإن لم يرد كان الخطاب عبثا وإن أردنا كان الخطاب قبيحا؛ لأنا نكلفه علم ما لا سبيل له إلى علمه، وتكليف ما لا يعلم قبيح، يعلم قبحه كل عاقل، فإذا تقررت هذه الأصول ثبت أنه لا يجوز أن يكون في كتاب الله سبحانه ما لا يفهم معناه، فإذا كلفنا معرفة معناه فلا بد من طريق إلى ذلك وإلا قبح.
  قلنا: والطريق إلى معرفة معناه العقل والنقل واللغة، فاللغة العربية هي لساننا وميداننا، والنقل وما جاءنا عن حبيبنا ÷ وعن سلفنا الصالح من ذريته سلام الله عليهم والعقل هو الذي يلزم به التكليف من قبله تعالى، وتقوم به