مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في وحدانية الله]

صفحة 97 - الجزء 1

  وبلغ أشده، قال الله تعالى: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ}⁣[الروم: ٥٤] على أن تسمية الضعيف لا تطلق إلا على من له قدرة دون قدرة من هو أقدر منه، وكذلك لا يسمى الجماد والميت ضعيفا لما كانا غير قادرين، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}⁣[الروم: ٥٤] وهذه الآية لا تعلق للخصم بها.

  وأما ما ذكره من قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}⁣[النور: ١٩] فصدق الله العظيم، وبلغ رسوله النبي الكريم إنا لا نعلم الغيب، ولا علم لنا إلا بما علمنا، كما قال تعالى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ٤ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ}⁣[العلق: ٤ - ٥] وكما قال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسانَ ٢ عَلَّمَهُ الْبَيانَ}⁣[الرحمن: ٢ - ٣] فإن كان السائل يدعي أنا لا نعلم شيئا على سبيل الجملة فهذا جهل بحال النفس لأنا نعلم منافعنا ومضارنا ومعالم ديننا، فلولا ذلك لما صح التعبد ولزم التكليف، إذ تكليف ما لا يعلم قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح.

  وأما قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ}⁣[فاطر: ٣] فلا خالق إلا الله يرزقنا من السماء والأرض، ويوجد الأجسام والأعراض الضرورية، فلا يخلق إلا الحكمة والصواب، وأفعاله كلها حسنة في باب الحكمة وإن كان بعضها محبوبا وبعضها منفورا عنه كالخير والشر، الخير محبوب، والشر منفور عنه والكل فعله تعالى، فأما ما عدا ذلك فخلق العباد وأكثره قبيح، وقد قال تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً}⁣[العنكبوت: ١٧] وقال تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ}⁣[الشعراء: ١٤٩]، وقال تعالى: {وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}⁣[الشعراء: ١٣٠] وقال: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ}⁣[البقرة: ٩١] إلى ما لا يحصى ولا يعد من إضافة الأفعال إلى العباد، وفي قوله تعالى في قصة عيسى #: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}⁣[المائدة: ١١٠].