حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الجسم والعرض

صفحة 109 - الجزء 1

  المعقول فيما بيننا، وهو أن يتركّب من جنس الأصوات والحروف، أو مخالفا لذلك. فإن كان من جنس الأصوات والحروف وإلا لم يكن يدرك الأجسام والأعراض، فلا شبهة في حدوثه، وإن كان مخالفا لذلك لم يصح أن يكون كلاما وأن يفهم به شيء، فالمثبت لكلام مخالف للكلام المعقول فيما بيننا، فإنه في حكم من يثبت جسما مخالفا للأجسام المعقولة فيما بيننا، ويثبت مع اللّه تعالى جسما قديما مخالفا لسائر الأجسام. ومن يزعم أن الكلام معنى في النفس، وأن الحروف المسموعة دلالة عليه، فهو في التّجاهل بمنزلة من يزعم أن الصوت معنى في النفس، وأن المسموع منه دلالة عليه؛ وأن اللون معنى في النفس، والمرئيّ منه دلالة عليه⁣(⁣١)، فتبيّن جهل من يقول بهذه المقالة، وقد قال اللّه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}⁣[التوبة: ٦]. وروي عن رسول اللّه ÷ أنه سمع خفق نعل وهو يصلّي، وهو ساجد، فلمّا فرغ من صلاته قال: «من هذا الذي سمعت خفق نعله»، فقال أنا يا رسول اللّه، قال: «فما صنعت؟» قال: وجدتك ساجدا فسجدت [معك]⁣(⁣٢)، قال: «هكذا فاصنعوا، ولا تعتدّوا بها، ومن وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها» فبيّن أنه سمع خفق النعل، وخفق النعل هو غير النعل.

  وقول من يقول: إن كلام اللّه لا يسمع مكذّب لكتاب اللّه، وقد قال الهادي إلى الحق # في كتاب المسترشد: فلمّا سمعت


(١) في (س، ش): والمرئي دلالة عليه.

(٢) زيادة في (ش، ع، ل).