فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  فأما من تأول في مسائل الاجتهاد فأخطأ فلا إثم عليه إذا لم يجد المسألة في كتاب اللّه، ولا في سنّة رسوله ÷، ولا في الإجماع، وكان عالما بالكتاب والسّنة والإجماع.
  ويؤيد هذا ما روي عن رسول اللّه ÷ أنه قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «بم تحكم؟» قال: بكتاب اللّه، قال: «فإن لم تجد؟» قال: فبسنّة رسول اللّه، قال: «فإن لم تجد» قال: فأجتهد رأيي لا آلو اجتهادا، فقال: «الحمد للّه الذي وفّق رسول رسول اللّه لما وفّق له رسول اللّه». والصفات التي ذكرنا(١) هي من مسائل الاجتهاد، وليس في الكتاب ولا في السّنة أن اللّه تعبّد الخلق بمعرفتها. وقد اختلف فيها العلماء من العامّة، وفي غيرها من الأعراض.
  فقال أبو الهذيل(٢)، ومعمر، ومن قال بقولهما بالأعراض وأثبتوا جوهرا قابلا للأعراض، قالوا: والدليل على الجوهر أنهم لمّا رأوا البسرة خضراء وعينها قائمة، ثم رأوها حمراء وعينها قائمة علموا أن ثمّ معنى وجوهرا قابلا للألوان، ومحال أن يكون اللون والطعم جسما واحدا، ومحال أن يكونا جسمين في مكان واحد.
(١) في (ش، ي): التي ذكرناها.
(٢) هو محمد بن الهذيل بن عبد اللّه بن مكحول، البغدادي، أبو الهذيل العلّاف، شيخ البصرة، من المعتزلة، سمي بالعلّاف؛ لأن داره بالبصرة عند سوق العلف. ولد سنة ١٣١ هـ، أخذ الكلام عن عثمان الطويل، وعثمان عن واصل، وروى الحديث عن محمد بن طلحة، وأخذ عنه الكلام أبو يعقوب الشحام، وليس بذاك في الرواية.
قال ابن خلكان: له مجالس ومناظرات، وهو من موالي عبد القيس، حسن الجدل، قوي الحجة، كثير الاستعمال للأدلة الالتزامية. قال الحاكم: أسلم على يده سبعة آلاف نفس. توفي بسرّ من رأى سنة ٢٣٥ من الهجرة النبوية، وقيل غير ذلك.