فصل في الكلام في أن الله عالم حكيم
  تحمله أمّه ينقطع عنها الحيض ليكون الدّم رزقا له، كما يكون مح البيضة(١) رزقا للفرخ في وسط البيضة المحضونة، فإذا ولد أحدث اللّه له رزقا في ثدي أمّه لم يكن من قبل، ويولد وقد جعل اللّه له آلة لا يستعملها في الحال، ولا يستغني عنها في المآل، فدلّ ذلك على أن صانعه عالم حكيم.
  ودليل آخر: أنا نظرنا إلى الآدميين، وإلى ما يملكون من الحيوان، فإذا هم لا يشتبه منهم اثنان في صورة الوجوه(٢) ولهجة الأصوات، وكذلك لا يشتبه من الأنعام والخيل والدوابّ اثنان، على كثرتهم وسعتهم.
  وبيان العلم في اختلافهم أن اللّه لما كان عالما بكل معلوم لم يشتبه من النّاس اثنان، ولا يشتبه مما يملكون e ن الحيوان اثنان(٣)، قال عزّ من قائل: {أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: ١٤].
  ووجه الحكمة أنه لو اشتبه من الناس رجلان أو امرأتان لوقع الفساد؛ لأنه لو غاب أحدهما فأتى شبيهه إلى امرأة الغائب لأفسد في زوجته وماله، وكذلك لو اشتبه امرأتان لأشكل أمرهما على زوجيهما، ولما عرف أحدهما زوجته من زوجة الثاني. وجعل اللّه اختلاف صورة الوجه للنهار، وجعل اختلاف الأصوات لليل، وكذلك فرق بين البهائم، ولو اشتبه اثنان من الثمانية الأزواج،
(١) قوله: (مح البيضة) هو بالميم، والحاء المهملة، وهو الصفار الذي وسط البيضة. تمت.
(٢) في (ب): في صورة الوجه.
(٣) في (ش): ولا اشتبه ما يملكون من الحيوانات اثنان.