فصل في الكلام في صفات الله والفرق بين الأسماء والصفات
  من المشبهة القائلين بقدم المعاني - وتسمّيهم العلماء الصّفاتيّة - أن اللّه عالم بعلم هو غيره، وقادر بقدرة(١) هي غيره، وحيّ بحياة هي غيره، وهذه المعاني عندهم هي قديمة.
  فيرد عليهم(٢) أن اللّه تعالى لو وصف بمعان هي القدرة والعلم والحياة، والسّمع والبصر والقدم، لم تخل هذه المعاني من أن تكون قديمة أو محدثة أو معدومة، ولا يجوز أن تكون معدومة لأن العدم لا يوجب حكما، ولا يجوز أن تكون محدثة لأنها لو كانت محدثة لوجب أن يكون اللّه تعالى قبل حدوثها غير قادر ولا عالم ولا حيّ ولا سميع ولا بصير؛ ولو كان كذلك لم يصح منه إحداث هذه المعاني، ولا يجوز أن تكون قديمة لأنها لو كانت قديمة لوجب أن يكون مع اللّه قديم سواه؛ لأن كونه قديما من أخصّ أوصافه، وما يشارك الشيء(٣) في أخصّ أوصافه يجب أن يكون مثله، فبطل ما قالت الصّفاتيّة، وصح أن اللّه تعالى قديم لنفسه، عالم لنفسه، حيّ لنفسه، سميع بصير لنفسه.
  ولمّا ثبت أنه عالم لنفسه ثبت أنه عالم بجميع المعلومات، وقد دلّ اللّه على ذلك بقوله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف: ٧٦]، فأخبر(٤) أن كل عالم بعلم فعلم اللّه فوقه. ومعنى قوله تعالى:
  {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}[النساء: ١٦٦]، أي أنزله(٥) وهو عالم به.
(١) في (ش): قادر بقدرة.
(٢) في (ض): فنرد عليهم.
(٣) في (ص): وما شارك الشيء.
(٤) في (ش): وأخبر.
(٥) في (ب): أنه أنزله.