فصل في الكلام في أصل التوحيد وحقيقته
  ونقول: إنه ليس بخارج من الأماكن، كخروج الشيء من الشيء، ولا بغائب منها، ولو كان كذلك لأدّى ذلك إلى الانتقال والجهل ...
  تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا. ولو كان حالّا أو محلولا لكان جسما أو عرضا، ولو كان جسما أو عرضا لكان محدثا، ولو كان محسوسا أو موهوما لكان محدثا ضعيفا؛ لأن المحسوس والموهوم لا يكونان(١) إلا حالّا أو محلولا، ولا يكون الحالّ والمحلول إلا جسما أو عرضا، ولا يكون المدرك بالحواسّ والوهم إلا مقابلا - أو في حكم المقابل - كمن يرى وجهه في المرآة، أو حالّا في الجسم كالألوان؛ وإذا كان كذلك كان ضعيفا عاجزا، وإذا كان عاجزا كان مصنوعا. ولو كان يرى في الآخرة لوجب أن يرى في الدنيا، ولو كان يرى لزال عنه المدح ووجب له النقص(٢) لأنه تعالى يقول: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ}[الأنعام: ١٠٣]، فمدح نفسه بذلك، فلو جاز أن يرى في الآخرة لزال عنه المدح، ووجب له النقص(٣). كما أنه مدح نفسه بأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، فلو جاز أن تأخذه سنة في وقت من الأوقات لزال المدح، ووجب النقص، واللّه يتعالى عن ذلك. ولو كان له جارحة يد أو وجه أو جنب أو عين لكان جسما، ولو كان جسما لكان مصنوعا.
  والأعضاء والجوارح لا تكون إلا مصوّرة، والصورة لا بدّ لها من مصوّر؛ ولو كان كذلك لكان هذا غاية التّشبيه والإلحاد وخلاف التوحيد.
(١) في (ب، ش، ع): لا يكون.
(٢) في (ب): ووجب عليه النقص.
(٣) في (ب): ووجب عليه النقص.