حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام فيما اتفق عليه أهل القبلة وما اختلفوا فيه من التوحيد

صفحة 176 - الجزء 1

  وقال: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها}⁣[البقرة: ١٠٦]، فإذا ثبت أن فيه ناسخا ومنسوخا ثبت أن الناسخ بعد المنسوخ، وأن المنسوخ قبله، وإذا صحّ أن الناسخ بعد المنسوخ ثبت حدث الناسخ، وإذا كان بعضه محدثا وجب أن يكون البعض الثاني محدثا.

  وأيضا فإنه أنزل على لغة العرب، وفيه الماضي والمستقبل، فيخبر عن الماضي بما يحسن وقوعه في أمس، ويخبر عن المستقبل بما يحسن وقوعه في غد، قال عزّ من قائل: {ألم ١ غُلِبَتِ الرُّومُ ٢ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}⁣[الروم: ١ - ٣]، وقد أجمعت الأمة على أن القرآن لم ينزل على النبيء ÷ جملة واحدة في وقت واحد وإنما نزل متفرقا، فكان ينزل بحسب الحاجة إليه عند النازلة التي تنزل والحادثة التي تحدث، ولا يقدّم الشّيء ويدّخره ويعدّه⁣(⁣١) قبل الحاجة إليه إلا العاجز الذي يخشى أن يطلب الشيء عند حاجته إليه فيتعذّر عليه، واللّه تعالى لا يتعذر عليه شيء ولا يعجزه شيء. فصحّ أن اللّه تعالى أحدثه [في]⁣(⁣٢) وقت حاجة المكلّفين إليه.

  وأيضا فإن الكلام الذي سمعه موسى # من الشجرة لا يخلو من أن تكون⁣(⁣٣) الشجرة محلّا له، أو يكون اللّه محلّا له نطق به كما ينطق ذو الآلة.

  فإن قالوا: الشجرة محلّ له خلقه اللّه فيها، فهذا قولنا،


(١) في (ع): ولا يتقدم الشيء ويدخره ويعتدّه.

(٢) ساقط في (ب، ش، ع).

(٣) في (س، ش، ي): إما أن تكون.