فصل في الكلام فيما اتفق عليه أهل القبلة وما اختلفوا فيه من التوحيد
  فإن قالوا: إذا لم يكن متكلّما وجب أن يكون أخرس. قلنا: إن الخرس آفة في اللسان، واللّه ليس بذي لسان ولا جارحة، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
  وأما قول من يقول: إن القرآن المتلوّ ليس هو القرآن على الحقيقة، وإنما هو عبارة عنه. فنقول: إن اللّه تعبّد المؤمنين بهذا المتلوّ، ولم يتعبّدهم بقرآن غيره، وتحدّى الكافرين بأن يأتوا بسورة من هذا المتلوّ، ولم يتحدّهم بقرآن غيره، فقال تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل: ٢٠]، وقال: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف: ٢٠٤]، وقال: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: ١٨٥]، وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ ٣٣ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ}[الطور: ٣٣ - ٣٤]، وقال: {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}[الإسراء: ٨٨]، وقال:
  {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ}[يونس: ٣٨].
  وقول من يقول: (إن هذا المتلوّ عبارة عن القرآن)، يشبه قول السّوفسطائيّة الذين نفوا الحقائق؛ لأنه إذا كان هذا المتلو لا حقيقة له؛ أمكن في كل الأشياء أن يكون لا حقيقة لها، فبطل قول من يقول:
  إن المتلو عبارة عنه. ولا فائدة في شيء لم يقف عليه المكلّفون، ولا تعبّدوا به.
  وأما احتجاجهم على قدم المعاني بقول اللّه تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}[النساء: ١٦٦]، وقوله: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ}[البقرة: ٢٥٥]،