فصل في الكلام فيما اتفق عليه أهل القبلة وما اختلفوا فيه من التوحيد
  بقولك: يرى ذاته، أي يعلمها فكذلك نقول(١). وإن كنت تقول: يرى نفسه كما يرى الواحد منا نفسه فلا؛ لأنا قد بيّنا أن ذاته غير مرئيّة، فلا يجوز أن يرى نفسه، كما يرى الرائي المرئي(٢).
  وإذا قيل(٣): إذا لم يكن جسما، ولا عرضا، ولا حالّا، ولا محلولا، ولا تدركه الأبصار في دنيا ولا في آخرة(٤)، فكيف يتصوره المكلّف في نفسه؟!
  قلنا: لا يجوز أن يتصور القديم تعالى؛ لأن الصورة لا تقع إلا على ما له مثل يشاهد، فيتصور على حسب ما شوهد من مثله. فلما كان اللّه تعالى لا مثل له، علمنا أنه لا يجوز أن يتصوره المتصوّرون(٥)، ولا يتصور إلا ما يجب عليه الحدث، ويلحقه النّقص، فصحّ أن اللّه لا يتصوّر، ولهذا سمّى نفسه لطيفا باطنا، وسمّى نفسه ظاهرا قريبا، فقال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام: ١٠٣]، وقال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ}[الحديد: ٣]، وقال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق: ١٦]، وقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة: ٨٥]، وقال: {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ}[المجادلة: ٧]، فدلّ على أنه ظاهر باطن، قريب بعيد.
(١) في (ع): فذلك نقول.
(٢) في (ب): كما يرى الراءون المرئي.
(٣) في (ج): فإن قيل.
(٤) في (ب، ع، ش): ولا يدرك بالأبصار في الدنيا ولا في الآخرة.
(٥) في (ش): أن يتصوّر المتصوّر.