فصل في الكلام فيما اتفق عليه أهل القبلة وما اختلفوا فيه من التوحيد
  فمن رام إدراكه بالعقل، أو بالحواس، أو بالوهم، أو بالظنّ أو التّصوّر، فهو أبعد ما يكون، ولن يبلغ إلى شيء مما طلب، بل ترجع الأبصار حاسرة(١) والعقول والأوهام حائرة. ومن طلب معرفته واستدل عليه بصنعه فهو أقرب من كل قريب وأكبر من كلّ موجود، فهو الظاهر القريب بما أوجد(٢) من صنعه، وهو الباطن، البعيد، اللطيف من أن يدرك أو يتوهّم(٣) أو يتصوّر، وقد قصرت الأبصار والحواسّ والعقول عن صفة جسم مرئيّ بصورة مخصوصة - وهو الشّمس - فلم يقف على حقيقتها، فكيف من خلقها وصوّرها؟! فإذا قصرت عن صفة حقيقيّة جسم مشاهدة(٤) فهي عن درك صانعه أقصر.
  وقد حكي عن أهل النجوم وأهل الطب والفلاسفة أنهم اختلفوا في الشمس وحقيقة صفتها؛ فقال قوم: هي فلك أجوف مملوء نارا، له فم يجيش بهذا الوهج والشّعاع.
  وقال قوم: هي اجتماع أجزاء ناريّة، يرفعها البخار الرطب.
  وقال قوم: هي سحابة ملتهبة.
  وقال قوم: هي جسم زجاجيّ يرسل علينا شعاعه.
  وقال قوم: هي صفوة لطيفة تصعد من البحر(٥).
(١) في (ن): خاسرة.
(٢) في (أ): لما أوجد.
(٣) في (ع، ش): أو يوهم.
(٤) في (ب): عن حقيقيّة جسم تشاهده. وفي (ع): عن صفة حقيقة جسم مشاهد.
وفي (ش): عن حقيقة جسم تشاهده.
(٥) في (س، ش، ع، ل): تتصعد من البحر