فصل في الكلام في الإرادة
  وكيف هو؟ كما أن علمه بوجود النفس لا يوجب له أن يعلم ما هي؟
  وكيف هي؟ وكذلك الأمور الروحانية اللطيفة.
  فإن قالوا: أفرطتم فيما تصفون، من قصور العلم عنه حتى كأنه غير معلوم. قلنا: كذلك من جهة إذا رام العقل معرفة كنهه، والإحاطة به، وهو من جهة أخرى أقرب من كل قريب إذا استدل عليه(١) بالدلائل الشافية.
  وقال أرسطاطاليس في الجوّ تشبيها بهذا القول(٢) في كتابه الذي يسميه بغذاء الطبيعة، فإنه وصفه بهذه الصفة فقال: هو قريب بعيد؛ لأنه من جهة كالواضح لا يخفى على أحد، وهو من جهة كالغائب لا يدركه أحد، وكذلك العقل أيضا ظاهر بشواهده مستتر في ذاته.
فصل في الكلام في الإرادة
  أجمعت الأمة أن اللّه سبحانه يريد ويشاء، واختلفوا في حقيقة الإرادة والمشيئة؛ فعندنا أن إرادة اللّه ومشيئته في فعله: إرادة حتم وخلق وإحداث وجبر(٣) وحكم ووعد ووعيد، وأنه لا تسبق إرادته مراده، وأن إرادته خلقه(٤)، وأن خلق الشيء هو الشيء،
(١) في (ع): إذا استدل عنه.
(٢) في (ع): شبيها بهذا القول. وفي (ي): بما يشابه هذا القول.
(٣) في (ش): وإحداث وخبر.
(٤) في (ع): فإن إرادته مراده.