فصل في الكلام في الإرادة
  وفناء الأجسام هو هي، وليس هو غيرها، وأن إرادته في فعل خلقه:
  إرادة نهي، وأمر، وأنّ رضى اللّه ومحبته [هما](١) رحمته وثوابه، وأن سخط اللّه وكراهته وغضبه نقمته وعقابه، فمن ¥ وأحبه فقد حكم له بالرحمة والثواب، ومن سخط عليه وكره أفعاله(٢) فقد حكم عليه بالنقمة والعقاب، فهذه إرادة الحكم.
  وقالت المعتزلة: للّه إرادة غير المراد، وهي محدثة، وهي في غير محلّ، وقالوا: لا يكون مريدا لنفسه؛ لأنه لو كان مريدا لنفسه، لكان مريدا لكل المرادات(٣)، كما أنه لما كان عالما لنفسه كان عالما بجميع المعلومات.
  قالوا: والدليل على أن إرادة اللّه غير مراده(٤) أنه آمر ومخبر، ولا يكون الآمر آمرا إلا أن يريد كون المأمور، ولا يكون مخبرا إلا إذا أراد إيقاع الحروف، واستدلّوا بقول اللّه تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النساء: ٢٦]، وبقوله:
  {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً}[النساء: ٢٧]، وبقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، وذلك كثير، وهذا مذهب البصريين منهم. فأما قول البغداديين فمثل قولنا.
(١) زيادة في (ج، د). وفي (ع): هي.
(٢) في (ع، ش): فعاله.
(٣) في (ش): لكل الإرادات.
(٤) في (أ): غير مرادة.