حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الإرادة

صفحة 192 - الجزء 1

  والرد على المعتزلة أن الأمة مجمعة على أنه لا يكون شيء موجود - غير اللّه - إلا في العالم. فإن كانت الإرادة في العالم فقد صار العالم لها مكانا، وإن كانت في غير العالم فما ذا غير العالم إلا اللّه أو العدم؟

  فإن قالوا: هي في العدم، فيكون العدم باطلا، فكيف كون شيء فيه⁣(⁣١) فإذا لم تكن نيّة ولا ضميرا⁣(⁣٢)، ولا كانت الخلق نفسه، ولا كانت في مكان، فهل هي إلا عدم؟ ولا يعقل شيء موجود لا يكون حالّا ولا محلولا إلا اللّه تعالى. فبطل ما قالوا، وصح أن إرادة اللّه هي خلقه لا غير. وقول اللّه تعالى: {يُرِيدُ} بمعنى: يخلق، ويحكم، ويثيب، ويعاقب. وإنما خاطب اللّه العرب بلغتهم وبما يعرفون؛ كما قال تعالى: {يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}⁣[يس: ٣٠]، فخاطبهم بما يعرفون. واللّه تعالى لا يتحسّر؛ لأنه لا يتحسّر على شيء إلا من فاته وأعجزه⁣(⁣٣)، واللّه لا يفوته شيء ولا يعجزه؛ ولأنه لو كانت إرادته غير مراده لم تكن إلا نيّة أو همّة، أو مشبهة للنيّة والهمّة. وهم فلا يقولون هي همّة ولا نيّة، إذا كانت⁣(⁣٤) شيئا غير المراد أشبهت النيّة المتقدّمة للفعل، ولا يتقدّم الفعل ويريد فعله قبل فعله إلا من يفعل بآلة، واللّه يتعالى عن ذلك.

  وأما قول اللّه تعالى: {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}⁣[النحل: ٤٠]، فإنهم مجمعون معنا أنه ليس ثمّ قول غير إيجاد الشيء


(١) في (ص، ع، ش): فكيف يكون شيء فيه.

(٢) في (أ): فإذا لم تكن بنيّة، ولا ضمير.

(٣) في (س، م، ع): أو أعجزه.

(٤) في (ش، ج، ي): وإذا كانت.