حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الإرادة

صفحة 194 - الجزء 1

  عالما فيما لم يزل استحال الجهل عليه، ويؤيد ذلك أن اللّه إذا أراد حياة زيد ثم أراد موته، ألا ترى أن الإرادة التي هي الموت حادثة، وقد قال اللّه تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥].

  والرد عليهم في قولهم: (إن اللّه يريد بهمّة ونيّة) أن الهمة والنيّة لا يكونان⁣(⁣١) إلا لمن يعمل الشيء بآلة ومثال وجولان فكر، وتصوّر للصنع وضمير، وهذه الأشياء كلّها من صفات المحدثين - تعالى عنها رب العالمين - وهذه الأشياء (كلها)⁣(⁣٢) تكلّف وإدارة حيلة، ولا يتكلّف ويحتال ويفعل الشيء بالمثال إلا عاجز ضعيف، والضّمير والنيّة لا يكونان إلا عرضان⁣(⁣٣)، ولا يكون العرض إلا حالّا في غيره، وإذا كان محلّا للعرض كان جسما - تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا - فبطل قول المشبهة.

  واعلم أن إرادة اللّه هي فعله، وهي تخرج على وجوه:

  منها إرادة حتم وجبر كخلق السماوات والأرض ومن فيهن وما خلق اللّه.

  ومنها إرادة أمر ونهي، فهذه الإرادة إرادة تخيير وتمكين وليست إرادة حتم وجبر؛ لأنه قد أراد من عباده الطاعة، فلو كانت الإرادة إرادة حتم وجبر لأنفذ ما أراده وأمضاه، ولما قدر أحد (على)⁣(⁣٤)


(١) في (أ): لا يكون.

(٢) ساقط في (ب، ع).

(٣) في (ي): إلا عرضا.

(٤) ساقط في (ص).