حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الإرادة

صفحة 207 - الجزء 1

  وإذا كان العقلاء من الملائكة # والإنس والجنّ لو اجتمعوا وتظاهروا على خلق بعوضة ما قدروا، ولا تمّ لهم ذلك، مع أنهم قد جعلهم اللّه عقّالا، أحياء⁣(⁣١) قادرين، فكيف يصح للفطرة فعل وليست بعاقلة ولا حيّة ولا قادرة؟!

  وأما احتجاجهم بقول اللّه تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} فالمراد به الأعم والأكثر⁣(⁣٢)، ولم يرد الكل بل خصّ ناسا دون ناس، ومذهبنا⁣(⁣٣) بناء العام على الخاص، قال اللّه تعالى: {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ}⁣[العصر: ١ - ٣]، فلو أراد به كل الناس⁣(⁣٤) لكان الطفل من أهل الخسر، إذا لم يستثنه مع الذين آمنوا من الخسر فلا حجة لهم بهذه الآية. وأيضا فقد قدّمنا الحديث⁣(⁣٥) في أن اللّه لا يخلق قبيحا وإن قبح في أعين النّاس، فلعلّ ذلك المعنى دقّ عليهم علمه. ألا ترى أن الخنثى من أكثر الناس⁣(⁣٦) بليّة وحسرة، وأقلّهم في الدنيا نعمة؛ لأنها ممنوعة من النكاح ومن مجالسة الرّجال - إلا من يحرم عليها - لو كانت امرأة؛ ومن مجالسة النساء - إلا من يحرم عليه - لو كان رجلا، فهذا من أكبر البلايا والمحن، فإذا صبر⁣(⁣٧) وقدر على منع نفسه عما حرّم اللّه عليه كان له في الآخرة عند اللّه


(١) في (ض): عقلاء أحياء.

(٢) في (أ): الأعم الأكثر.

(٣) في (ب، ش، ع): ومن مذهبنا.

(٤) في (ع): كل إنسان.

(٥) في (ب، ص، ط): وإنما قدمنا الحديث.

(٦) في (ع): من أكبر الناس.

(٧) في (ب، ع، ش): فإن صبر.