فصل في الكلام في اختلاف أهل القبلة في العدل وذكر ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه
  وعند جهم بن صفوان ومن قال بقوله من الصفاتية: هي أفعال اللّه خالصة، وليس للعبد فيها صنع وإنما هو كالظرف والوعاء.
  وقالت النجارية والأشعريّة: إن اللّه وعبده مشتركان في فعل العبد؛ فقالوا: إن اللّه يخلق أفعال العباد، ويحدثها، والعبد مع ذلك مكتسب لفعله.
  وقالت النّجاريّة: هي فعله على الحقيقة.
  وقالت الأشعرية: هي فعله على المجاز، وحجتهم قول اللّه تعالى:
  {اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الزمر: ٦٢]، وقوله: {أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ٩٥ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٥ - ٩٦].
  وقد قدّمنا الرد عليهم من المعقول أن اللّه منزّه عن صفات النقص، وأيّ نقص أكبر من أن يكون فاعلا لكل فاحشة ومنكر ومعروف وخير وشرّ، ولو صحّ ذلك لكان جائرا ظالما عابثا؛ لأنه إذا كان يجبر العباد على أفعالهم كانوا مطيعين له كلهم، وإذا أجبر العبد على الكفر ثم أدخله النار كان جائرا ظالما، وإذا نهى العبد عن فعل شيء وجبره على فعله لكان عابثا(١) - تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
  وكذلك إذا أمره بالإيمان، وسلبه الاستطاعة عليه يكون أيضا ظالما عابثا - تعالى اللّه عما يقول المشبّهون.
  ونردّ عليهم من المسموع: أما احتجاجهم بقول اللّه تعالى: {اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فهو خاصّ فيما خلق اللّه(٢) دون ما فعل العباد.
(١) في (ص): لكان عبثا. وفي (ن): كان عابثا.
(٢) في (ص): فيما فعل اللّه تعالى.