(6) باب حقيقة معرفة النعمة
(٦) باب حقيقة معرفة النعمة
  اعلم أنه لما ثبت أن المنعم حكيم، وثبت أنه لا يفعل قبيحا(١)، ثبت أن إظهار الحسن وإيجاده حسن، وإذا ثبت(٢) أن إيجاد الحسن حسن، وثبت أن اللّه لا يفعل قبيحا، ثبت أن إيجاد اللّه للعالم حسن.
  ولما ثبت أن اللّه غنيّ عن العالم، ثبت أنه لم يخلقه لنفسه بل خلقه لعباده نعمة منه وتفضّلا، فصح أن اللّه خلق العالم نعمة وتفضلا، وقوله تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات: ٥٦ - ٥٨]، فبيّن أنه ما خلقهم له، وأخبر أنه غنيّ عنهم، وكذلك هو غنيّ عن عبادتهم ونفعها لهم لا له، فلما أمرهم بالعبادة وأعطاهم الاستطاعة عليها قبل وجوب الأمر؛ ثم أثابهم عليها وضاعف لهم الثواب، صح أن التعبد نعمة وتفضّل منه ابتدأ اللّه به عباده المكلفين، فصح أن اللّه ما خلق الخلق إلا نعمة وتفضلا على عباده، فكان إظهاره(٣) للحكمة ابتداء منه بالنعمة.
  واعلم أنه لا يوجد شيء من خلق اللّه إلا وفيه نعمة لبعض
(١) في (ص): وأنه لا يفعل قبيحا.
(٢) في (ش، ي): فإذا ثبت.
(٣) في (ص، ل): فصح أن إظهاره.