حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام فيما خلق الله من النعم

صفحة 249 - الجزء 1

  ومن ذلك [خلق]⁣(⁣١) الرّياح وتسخير اللّه لها بين⁣(⁣٢) السماء والأرض ليثير بها السحاب وتصلح بها الأجساد والأشجار، ويزيل بها⁣(⁣٣) من الهواء العفونات والغبار، فهل هي إلا من النعم الجسام؟!

  ومن ذلك خلق الأرض وما جعل اللّه فيها من الطّول والعرض.

  وجعل جبالها أوتادا لأن لا تميد بأهلها. وجعل الإنسان مخوّلا⁣(⁣٤) لحزنها وسهلها. وبثّ فيها من كل دابّة، وجعل فيها من الفواكه والكروم والزروع والنخيل والأعناب، وصنوف المعايش والأرزاق؛ وجعل ذلك مادّة ونعمة للإنسان.

  ومن ذلك خلق الإنسان فإن اللّه خلقه من طين، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم نقله في بطن أمه من حالة إلى حالة، ثم أحدث له رزقا في ثدي أمه لبنا خالصا سائغا موافقا للطفل، ثم أحدث اللّه له الرّحمة في قلب أمه وقلب أبيه رحمة من اللّه ونعمة. فإذا علم اللّه أنه قوي على أكل الطعام أحدث اللّه له أسنانا وأضراسا. ولما علم اللّه أن البهائم لا تقدر على ما يقدر عليه الناس من تربية أولادهم؛ جعل أولاد البهائم بخلاف أولاد الناس؛ فإن البهيمة⁣(⁣٥) تلد ولدها، وقام من ساعته يطلب ضرع أمه. وقد فطره اللّه من وقت ولادته على اجتلاب المنافع والنفار عن المضار رحمة من اللّه ونعمة


(١) زيادة في (ث).

(٢) في (ض): لها ما بين.

(٣) في (ج): وتزال بها. وفي (س): ويزول بها. وفي (ط): ويزال بها. وفي (د): ويزيل بها.

(٤) في (ض): وجعل الإنسان مجوّلا. وهو خطأ.

(٥) في (ص): فإن البهائم.