حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام فيما خلق الله من النعم

صفحة 251 - الجزء 1

  والقيام بما فيه صلاحه، فصار البدن بمنزلة دار للملك⁣(⁣١) فيها له حشم وصبية وقوّام موكّلون بالدّار، فواحد لاقتضاء حوائج الحشم وإيرادها عليهم، وآخر لقبض ما يرد وخزنه إلى أن يعالج ويهيأ، وآخر لعلاج ذلك وتهيئته وتفريقه في الحشم، وآخر لكسح ما في الدار من الأقذار وإخراجه منها. فالملك في هذا المثل هو الخلّاق الحكيم، ملك العالمين، والدّار هي البدن، والحشم هم الأعضاء⁣(⁣٢)، والقوّام هي هذه القوى الأربع، فهل هذا⁣(⁣٣) إلا تفضل ونعمة من اللّه تعالى، بل هذه الأفعال التي تحدث حالا بعد حال أفعال اللّه سبحانه، يفعل ذلك في أوقات حدوثه لما يعلم⁣(⁣٤) من مصالح خلقه، ولا يكل ذلك إلى تدبير غيره، وإنما كان ضرب المثال لتقريب ذلك إلى الأفهام.

  ومما يدل على عظم هذه المواهب والنعم أن العبد الفقير المملوك الذي يكون من أدنى الناس منزلة، وأقلهم نعمة فإنه قد أعطي جميع ما ذكرنا من تمام الخلق، وحصول الآلة، والصحّة والسلامة والعافية.

  ألا ترى أنه لو قيل له: أتحبّ أن تعطى ملكا عظيما في الدنيا، ويكون جزاء على أن تسلب مادّة من أحد المواد⁣(⁣٥) التي وهبها اللّه تعالى له⁣(⁣٦) كالسمع والبصر، أو قطع يده أو رجله، أو سلب (إحدى)⁣(⁣٧)


(١) في (ب، ص، ع): بمنزلة دار الملك.

(٢) في (ش): والحشم هي الأعضاء.

(٣) في (ع): فهل هذه.

(٤) في (ض): بما يعلم.

(٥) في (ه، م): من إحدى المواد.

(٦) في (ث): التي وهبها اللّه لك.

(٧) ساقط في (ض).