فصل في الكلام في ما فطر الله عليه العبد
  ومما فطر اللّه عليه المكلّف: استحسان الحسن واستقباح القبيح، وهو العقل الغريزي، وهو عطيّة من اللّه ونعمة من أعظم النعم والعطايا، ولولا هو ما عرف المنعم ولا عرفت النّعم(١)، وهو حجّة اللّه على عباده.
  وفطرهم على السمع والبصر، قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل: ٧٨]، فجعل اللّه لهم السمع يسمعون به الأصوات والمسموعات؛ وجعل لهم البصر ينظرون به الألوان والهيئات. وجعل لهم الأفئدة يعقلون بها المعلومات، فكان من اللّه الآلة، والإنسان مستعمل لها، وحجّة اللّه هي الآلة والاستطاعة، قال تعالى: {أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها}[الحج: ٤٦]، فدلّ على أن العقل غير القلب، كما أنك تقول: لك يدان تبطش بهما، ورجلان تمشي بهما، وسيف تضرب به. فصحّ أن الضرب غير السيف، والبطش غير اليدين، والمشي غير الرّجلين، فكذلك العقل غير القلب.
  ومما أنعم اللّه به على العبد: اللسان المترجم للقلب، قال اللّه تعالى:
  {وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ}[الروم: ٢٢].
  والكلام عندنا هو إلهام من اللّه، والدليل على ذلك أن اللّه عدّه من آياته، ولولا هو إلهام منه(٢) لما عدّه من آياته، وأيضا فإن الطّفل ينطق
(١) في (ش، ع، ص): ولا عرفت النعمة.
(٢) في (ش): ولولا أنه هو إلهام منه. وفي (س): ولولا أنه إلهام منه.