حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في ما فطر الله عليه العبد

صفحة 261 - الجزء 1

  باسم أبيه وأمه قبل أن يتلقّن مثله⁣(⁣١)، وكذلك سائر الكلام⁣(⁣٢)، أعني معرفة أسماء الأشياء. وقول أبي علي من المعتزلة مثل قولنا. وقال أبو هاشم: معرفة الأسماء اصطلاح اصطلح عليه الناس.

  ومما فطره اللّه عليه الشّهوة، والنّفار، والكراهة، والفرح، والسرور، والغم، والخوف، والأمن، والجوع، والشّبع، والجهل، والعلم الضروري، والذّكر، والنّسيان، وهذه كلّها موجودة في الإنسان، فطره اللّه عليها. وكذلك استعجال الخير وأشباه ذلك؛ فهذه كلّها نعم من اللّه وإحسان.

  ومما يدل على أنها كلها نعم؛ أن أدونها وأضعفها النّسيان، فإن الإنسان لو كان لا ينسى لكان ذلك مؤديّا إلى تنغيص النعمة في كل وقت وحين؛ لأنه لو كان يذكر المصائب ولا ينساها، ويذكر الموت ولا يجهل وقت هجومه عليه في كل وقت لما طابت له نعمة، ولا فارقه همّ ولا غمّ، وكان ذلك سيشغله⁣(⁣٣) عن كثير من الأعمال المباحة والمستحبة⁣(⁣٤)، ولربما أيضا دعاه ذلك إلى الحزن المؤدي إلى الموت أو العمى، فقد عمي يعقوب # من شدة حزنه على ولده يوسف # قال اللّه تعالى حاكيا قول يعقوب #: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}⁣[يوسف: ٨٤].


(١) في (ص): قبل أن يلقّن مثله.

(٢) في (ع): فكذلك الكلام.

(٣) في (ل، م): يشغله.

(٤) في (ث): والمستحسنة.