فصل في الكلام في ما فطر الله عليه العبد
  والدليل على أن اللّه فطر الناس على الجهل؛ أن الإنسان يولد جاهلا، قال اللّه تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً}[النحل: ٧٨]، وقال تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ}[العلق: ٥]، وقال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ}[النحل: ٩]، أراد: وعلى اللّه تبيين قصد السبيل. وقال تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ}[الأنبياء: ٣٧]، أراد: فطر الإنسان على استعجال الخير؛ لأن العجل فعل المستعجل، ولم يرد أنه خلق الإنسان من فعله الذي هو العجل(١). وليس قولنا: إن اللّه تعالى فطره على شيء من فعله، بمعنى أنه جبره(٢)، ولكن المراد به: أن اللّه جعل له داعيا(٣) إلى ذلك للنعمة والبليّة.
  فمنها: الحاجة الداعية إلى فعل الشيء كالجوع والشّهوة وأمثال ذلك.
  ومنها: إلهام من اللّه تعالى كاستحسان الحسن، واستقباح القبيح، وذلك هو أصل الدّين الصحيح، قال اللّه تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الروم: ٣٠].
(١) في (ل): الذي هو العجلة.
(٢) في (ث): أجبره.
(٣) في (ب، ت): جعل له دواعي.