حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في ما فطر الله عليه العبد

صفحة 262 - الجزء 1

  والدليل على أن اللّه فطر الناس على الجهل؛ أن الإنسان يولد جاهلا، قال اللّه تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً}⁣[النحل: ٧٨]، وقال تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ}⁣[العلق: ٥]، وقال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ}⁣[النحل: ٩]، أراد: وعلى اللّه تبيين قصد السبيل. وقال تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ}⁣[الأنبياء: ٣٧]، أراد: فطر الإنسان على استعجال الخير؛ لأن العجل فعل المستعجل، ولم يرد أنه خلق الإنسان من فعله الذي هو العجل⁣(⁣١). وليس قولنا: إن اللّه تعالى فطره على شيء من فعله، بمعنى أنه جبره⁣(⁣٢)، ولكن المراد به: أن اللّه جعل له داعيا⁣(⁣٣) إلى ذلك للنعمة والبليّة.

  فمنها: الحاجة الداعية إلى فعل الشيء كالجوع والشّهوة وأمثال ذلك.

  ومنها: إلهام من اللّه تعالى كاستحسان الحسن، واستقباح القبيح، وذلك هو أصل الدّين الصحيح، قال اللّه تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}⁣[الروم: ٣٠].


(١) في (ل): الذي هو العجلة.

(٢) في (ث): أجبره.

(٣) في (ب، ت): جعل له دواعي.