حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في أن الله نهى عن فعل ما يستقبحه العقل ويضر في الحال والمآل

صفحة 268 - الجزء 1

  فهذا الظلم وأمثاله مما يضرّ به مخلوقا، فإنه فيه ظالم لنفسه ولمن ضرّه، فصحّ أن اللّه نهى عمّا يستقبح ويضرّ في الحال والمآل.

  ومما نهى اللّه عنه: الزنا، ومما يدل على قبحه ومضرته في الحال أنك تكرهه وتستقبحه من حرمتك، ويضرك ذلك في الحال، فكذلك حرمة غيرك.

  ومما نهى اللّه عنه: الخمر والميسر، ومما يدل على قبح الخمر وضره في الحال أن الإنسان يكون عاقلا ثم يشرب الخمر فيسكر فيصير سكرانا لا عقل له، ولا يدري ما يفعل به، فهل شيء أضرّ على الإنسان وأقبح من أن يزيل عقل نفسه بعد أن أكمل اللّه له العقل؟! والميسر أيضا يشغل عن الطاعات، ويدعو إلى الضّغناء والعداوات، قال اللّه تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}⁣[المائدة: ٩١]، فبيّن اللّه تعالى الحكم والعلّة، فصح أنه مستقبح ضارّ في الحال والمآل.

  ومثل ذلك: ما نهى اللّه عنه من أكل الميتة والدم والخنزير، فثبت أن اللّه نهانا عن [فعل]⁣(⁣١) الخبائث، وصحّ أن اللّه ما أمرنا إلا بما يستحسنه العقل، وما نهانا إلا عمّا يستقبحه العقل، وهذا⁣(⁣٢) من تمام النعمة وكمال الرحمة، فالحمد للّه الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.


(١) زيادة في (ض).

(٢) في (ع، ل): فهذا.