فصل في الكلام فيما يجب أن يعتقد بالقلب من الشكر
  ومعرفة التّوحيد، ومعرفة العدل، ومعرفة النّعمة، ومعرفة شكر المنعم، ومعرفة البلاء، ومعرفة الجزاء، ومعرفة الكتب، ومعرفة الرّسل، ومعرفة الإمامة، ومعرفة الاختلاف.
  ولولا معرفة الاختلاف لما عرفت الفرقة النّاجية، ولا تحقق وأيقن صاحب الحقّ أنه محقّ، فلمّا لم تكمل معرفة الأصول إلا به علم أن معرفة الوفاق والخلاف هو أصل من الأصول وهو سبب الولاء والبراء، ولولا ذلك لما عرف(١) الوليّ من العدوّ.
  واعلم أن هذه الأصول أجمع عليها جميع العلماء الصالحين(٢) من الملائكة والمرسلين $، ومن كافة المؤمنين. ولم ينسخ منها شيء ولا بدّل، قال اللّه تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٢٠ شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ١٢١ وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ١٢٢ ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل: ١٢٠ - ١٢٣]، وقال تعالى: {وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ}[الحج: ٧٨]، وقال تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً}[الإسراء: ٣]، وقال تعالى عن نوح #: {قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ٢ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ٣ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ...} الآية [نوح: ٢ - ٤]، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا
(١) في (ض): لما عرفت.
(٢) في (أ): والصالحين.